فإنَّ جبل حـراء الذي هو أطول جبـل بمكة كانت قريش
تنتابه قبل الإسلام، وتتعبد هناك، ولهذا قال أبو طالب في شعره:
وثورٍ ومَن أرسى تبيرًا مكانه
وراقٍ ليرقى في حراء ونازلِ
وقد ثبت في «الصحيح» عن عائشة رضي الله عنها أنها
قالت: كَانَ أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ
الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةَ، كَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلاَّ جَاءَتْ
مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاَءُ، فَكَانَ يَأْتِي
غَارَ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ - وَهُوَ التَّعَبُّدُ - اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ
الْعَدَدِ، ثُمَّ يَرْجِعَ فَيَتَزَوَّد لِذَلِكَ، حَتَّى فَجِئَهُ الوَحْي وَهُوَ
بِغَارِ حِرَاءٍ، فَأَتَاهُ الْمَلَكُ، فَقَالَ لَهُ: اقْرَأْ، فَقَالَ: «لَسْتُ
بِقَارِئٍ» قَالَ: «فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ، ثُمَّ
أَرْسَلَنِي ثُمَّ قَالَ: اقْرَأْ فَقَالَ: «لَسْتُ بِقَارِئٍ» قال مرتين أو
ثلاثًا، ثم قال: ﴿ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ
١ خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَق ١ ٱقۡرَأۡ وَرَبُّكَ ٱلۡأَكۡرَمُ ٣ ٱلَّذِي
عَلَّمَ بِٱلۡقَلَمِ ٤ عَلَّمَ ٱلۡإِنسَٰنَ مَا لَمۡ يَعۡلَمۡ﴾ [العلق: 1- 5]
فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ... الحديث
بطوله ([1]).
*****
فغار حراء الـذي حوله الدعاية العريضة الآن، والناس ينتابونـه في الجاهلية كما قال أبو طالب في قصيدته وينتابونه الآن في وقت الحج وغيره، ويصعدون الجبل، مع ما يقاسونه من المشقة والخطر، وهم بذلك ليسوا مأجورين على هذا، بل هم آثمون؛ لأن هذا شيء لم يشرعه الرسول صلى الله عليه وسلم، ما كان صلى الله عليه وسلم بعد البعثة يذهب إلى غار حراء، ولا كان أحدٌ من أصحابه يفعل ذلك، ولا أمر به عليه الصلاة والسلام. وكانت
الصفحة 1 / 376