×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الخامس

فأما الأمكنـة التي كـان النبي صلى الله عليه وسلم يقصد الصلاة أو الدعاء عندها، فقصد الصلاة أو الدعاء سنة؛ اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم واتباعًا له. كما إذا تحرَّى الصلاة أو الدعاء في وقت من الأوقات، فإن قصد الصلاة أو الـدعاء في ذلك الوقت سنة كسائر عباداته وسائر الأفعال التي فعلها على وجه التقرُّب.

ومثل هذا: ما أخرجه في «الصحيحين» عن يزيد بن أبي عبيد قال: كَانَ سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ يَتَحَرَّى الصَّلاَةَ عِنْدَ الأُْسْطُوَانَةِ الَّتِي عِنْدَ الْمُصْحَفِ. فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ أَرَاكَ تَتَحَرَّى الصَّلاَةَ عِنْدَ هَذِهِ الأُْسْطُوَانَةِ، قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَتَحَرَّى الصَّلاَةَ عِنْدَهَا» ([1]). وفي رواية لمسلم عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: أَنَّهُ كَانَ يَتَحَرَّى فِي مَوْضِع الْمُصْحَفِ يُسَبِّحُ فِيهِ، وَذَكَرَ: «أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَحَرَّى ذَلِكَ الْمَكَانَ، وَكَانَ بَيْنَ الْمِنْبَرِ وَالْقِبْلَةِ قَدْرُ مَمَرِّ الشَّاةِ» ([2]).

وقد ظنَّ بعض المصنفين أنَّ هـذا مما اختُلف فيـه، وجعله والقسم الأول سواء وليس بجيد، فإنه هنا قد أخبر أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحرّى البقعة، فكيف لا يكون هذا القصد مستحبًّا؟

*****

هذا هو القسم الثاني وهو الأمكنة والأزمنة التي قصد النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة فيها أو قصد العبادة فيها فإنه يشرع أن يُقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم فيها، ومن ذلك موضع المصحف الذي في مسجده؛ حيث كان سلمة يتحرّى الصلاة عنده، فسُئل عن ذلك فقال: إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان


الشرح

([1] أخرجه: مسلم رقم (509).

([2] أخرجه: أبو داود رقم (4607)، وابن ماجه رقم (42)، وأحمد رقم (17144).