ومن شيوخهم من يحج، فإذا دخل المدينة رجع مكتفيًا
بزيارة القبر، ظن أن هذا أبلغ، ومن جهّالهم من يتوهم أنَّ زيارة القبور واجبة،
وأكثرهم يسأل المقبور الميت، كما يسأل الحي الذي لا يموت، فيقول: يا سيدي فلان
اغفر لي، وارحمني، وتب علي. أو يقول: اقضِ عني الدَّين، وانصرني على فلان، وأنا في
حَسْبك وجوارك.
وقد ينذرون أولادهم للمقبور، ويسيّبون له السوائب من
البقر والغنم وغيرها.
كما كان المشركون يسيّبون السوائب لطواغيتهم، قال الله
تعالى: ﴿مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِنۢ بَحِيرَةٖ وَلَا سَآئِبَةٖ وَلَا وَصِيلَةٖ وَلَا حَامٖ﴾ [المائدة:
103].
*****
من الناس من يأتي
إلى مكة وإلى المدينة فلا يتَّجه إلى المسجد الحرام ولا إلى المسجد النبوي، وإنما
يسأل عن القبور والأضرحة، ويبحثُ عنها، ويذهب إليها، ويُمضِي ليله ونهاره وأمواله
في طلبها وتتبعها؛ لأنه تعلّق قلبه بغيرِ الله سبحانه وتعالى فهو يبحث عما تعلّق
به قلبه.
هذا من العجائب، ومن
انتكاس الفطرة، أن يسأل العبد مخلوقًا مثله، أو أقل منه، مخلوقًا عاجزًا، بل
ميتًا، ويَعدِلُ عن الحي الذي لا يموت، الغني الكريم، الذي يجيب من دعاه، إلى
مخلوق ميت عاجز، يدعوه ويتضرع إليه. ويكتفي بزيارة القبر بدل الحج إلى بيت الله
العتيق.
هـذا كـما ذكـر
اللَّـه فـي الـقـرآن: ﴿وَكَذَٰلِكَ
زَيَّنَ لِكَثِيرٖ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ قَتۡلَ أَوۡلَٰدِهِمۡ شُرَكَآؤُهُمۡ لِيُرۡدُوهُمۡ
وَلِيَلۡبِسُواْ عَلَيۡهِمۡ دِينَهُمۡۖ﴾ [الأنعام: 137]، فمِن
المشركين من يذبح ولده تقربًا إلى الأموات،
الصفحة 1 / 376