ثم الاقتران إن كان دليلاً على العِلَّةِ فالانتقاض
دليل على عدمها.
وهنا افترق الناس على ثلاث فرق: مغضوب عليهم، وضالون،
والذين أنعم الله عليهم.
فالمغضوب عليهم: يطعنون في عامة الأسباب المشروعة وغير
المشروعة، ويقولون: الـدعاء المشروع قـد يؤثِّر وقد لا يؤثر، ويتصل بذلك الكلام في
دلالة الآيات على تصديق الأنبياء عليهم السلام. والضالون يتوهَّمون في كلِّ ما
يُتخيَّل سببًا، وإن كان يدخل في دين اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم. والمتكايسون
من المتفلسفة يحيلون ذلك على أمور فلكية وقوى نفسانية طبيعية يدورون حولها لا
يعدلون عنها.
*****
قوله: «ثم الاقتران إن كان دليلاً على
العلة، فالانتقاض دليل على عدمها» يعني: إذا كان الشيء إذا اقترن بالشيء، فإن
كونه أحيانًا لا يقترن، دليل على أن هذا الشيء ليس هو العلة الموجبة لما اقترنت به
أحيانًا؛ لأنَّ من شرط العلة لزوم المعلول بها.
قوله: «وهنا افترق
الناس على ثلاث فرق...» الناس في هذه المسألة ثلاث فرق: مغضوب عليهم، وضالُّون،
ومُنْعَم عليهم كما في سورة الفاتحة، قال تعالى:﴿ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ ٦ صِرَٰطَ
ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا
ٱلضَّآلِّينَ﴾ [الفاتحة: 6 - 7].
الصنف الأول: فالمُنْعَم عليهم هم الذين ذكرهم الله في قوله: ﴿وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَٰٓئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّۧنَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّٰلِحِينَۚ وَحَسُنَ أُوْلَٰٓئِكَ رَفِيقٗا﴾ [النساء: 69]، وهؤلاء هم أهل
الصفحة 1 / 376