×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الخامس

فأما قصد الصلاة في تلك البقاع التي صلَّى فيها اتفاقًا، فهذا لم يُنقل عن غير ابن عمر من الصحابة، بل كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وسائر السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار يذهبون من المدينة إلى مكة حُجَّاجًا وعُمّارًا ومسافرين، ولم يُنقل عن أحد منهم أنه تحرى الصلاة في مُصليات النبي صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أنَّ هذا لو كان عندهم مستحبًّا، لكانوا إليه أسبق، فإنهم أعلم بسنته، وأتبع لها من غيرهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعدِي، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُْمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ» ([1]).

وتحري هذا ليس من سنة الخلفاء الراشدين، بل هو مما ابتُدع، وقول الصحابي إذا خالف نظيرهُ ليس بحجة، فكيف إذا انفرد به عن جماهير الصحابة؟

أيضًا فإنَّ تحرّي الصلاة فيها ذريعة إلى اتخاذها مساجد والتشبه بأهل الكتاب، مما نهينا عن التشبه بهم فيه، وذلك ذريعة إلى الشرك بالله تعالى.

والشارع قد حَسَم هذه المادة بالنهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها، وبالنهي عن اتخاذ القبور مساجد، فإذا كان قد نهى عن الصلاة المشروعة في هذا المكان وهذا الزمان سدًّا للذريعة، فكيف يستحب قصد الصلاة والدعاء في مكان اتفق قيامهم


الشرح

([1] أخرجه: أبو داود رقم (4607)، وابن ماجه رقم (42)، وأحمد رقم (17144).