وهو كما قال، فإنَّ أهل الكذب والفرية عليهم من الغضب
والذلة ما أوعدهم الله به.
*****
رابعًا: لو سَاغَ هذا الفعل لفُعل في غار
حراء وغار ثور، وجبل حراء هو الذي فيه غار حراء، الذي كان النبيُّ صلى الله عليه
وسلم يذهب إليه قبل البعثة، ويبقى فيه أيامًا، يصلِّي فيه ويتعبّد لله، ويبتعد عن
دين المشركين، فلما بُعث صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولاً لم يكن يذهب إليه بعد
ذلك، وكذلك غار ثور، الذي اختفى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم عن المشركين لما
أراد الخروج إلى الهجرة، فقصده واختفى فيه، ثم خلّصه الله منهم وذهب إلى المدينة،
لم يكن صلى الله عليه وسلم يذهب إليه بعد ذلك، وإنما فعل هذا وقت الحاجة فقط، ولم
يفعله من باب التعبد، وتخصيص هذين المكانين دون غيرهما من الأمكنة، وإنما فعل هذا
للحاجة، وقد انتهت الحاجة، فنحن لا نتخذ هذا من بعده مكانًا للعبادة، فلا يجوز أن
نذهب إلى غار حراء، أو إلى غار ثور؛ لأن هذا شيء لم يفعله النبي صلى الله عليه
وسلم بعد بعثته، ولا فعله بعد الهجرة، لما انتهت الحاجة وانتهى السبب، وكذلك
الصحابة لم يكونوا يقصدون هذين المكانين للعبادة فيهما أبدًا.
خامسًا: لو فتحنا هذا الباب، وقلنا: كل مكان جلس فيه النبي صلى الله عليه وسلم أو صلى فيه، فإنه يُقصد من بعده، لأدّى بنا الأمر إلى زيارة وقصد كلِّ آثار الأنبياء في الديانات الأخرى التي تمتلئ بها كثير من الأماكن، فلأجل سدّ هذه المادة وحسمها، فإنه يقال: لا يجوز إحياء هذه الآثار والعناية بها، وكون النبي صلى الله عليه وسلم أو أحد من الأنبياء جلس فيها أو صلّى فيها من غير تشريع ومن غير قصد لا يعطينا مسوغًا؛ لأن نحييها من بعدهم، ونقيمها من بعدهم، عليهم صلوات الله وسلامه.
الصفحة 4 / 376