وقد ثبت في «الصحيح» أنَّ سيد الشفعاء صلى الله عليه
وسلم إذا طُلبت منه الشفاعة بعد أن تطلب من آدم، وأولي العزم: نوح وإبراهيم وموسى
وعيسى، فيردونها إلى محمد صلى الله عليه وسلم، العبد الذي غفر الله له ما تقدم من
ذنبه وما تأخر، قال: «فَأذْهَبْ إِلَى رَبِّي، فَإِذَا رَأَيْتُهُ خَرَرْتُ لَهُ
سَاجِدًا، فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ يَفْتَحُهَا عَلَيَّ، لاَ أُحْسِنُهَا
الآْنَ، فَيَقُولُ: أَيْ مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَسَلْ
تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: رَبِّ أُمَّتِي، رَبِّ أُمَّتِي،
فَيَحُدُّ لِي حَدًّا، فَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ» ([1]).
*****
قوله: «وهذا الموضع اقترن فيه ثلاث فرق»: أي: في الشفاعة، والمراد بها: طلب الخير للغير، هذه هي الشفاعة في اللغة، والشفاعة عند الله لا تصحُّ إلاّ بشرطين: إذن الله للشافع أن يشفع، قال تعالى: ﴿مَن ذَا ٱلَّذِي يَشۡفَعُ عِندَهُۥٓ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦۚ﴾ [البقرة: 255]، ورضاه عن المشفوع فيه، بأن يكون المشفوع فيه من أهل التوحيد، لكنه استحق العذاب بسبب ذنب من ذنوبه دون الشرك، فيشفّع الله فيه من يشاء سبحانه وتعالى وينجيه من العذاب، فهي لعصاة الموحدين خاصة، أما الكفار فإن الله قال فيهم: ﴿فَمَا تَنفَعُهُمۡ شَفَٰعَةُ ٱلشَّٰفِعِينَ﴾ [المدثر: 48]، وقال ﴿مَا لِلظَّٰلِمِينَ مِنۡ حَمِيمٖ وَلَا شَفِيعٖ يُطَاعُ﴾ [غافر: 18]، فلا أحد يشفع عنده إلاّ بإذنه، ولا أحد يشفع في مشرك أو كافر، وإنما الشفاعة لأهل الإيمان من عصاة الموحدين.
([1]) أخرجه: البخاري رقم (7410).
الصفحة 6 / 376