قوله: «والمشيئة
الإلهية اقتضت وجود هذه الخيرات...» يعني: أنَّ كل شيء له سبب، فالولد بسبب الزواج
الشرعي، والمال بسبب السَّعي، والعلم بسبب التعلم، والرِّزق بسبب الطلب... وهكذا،
فإن كل شيء لا بد له من أسبابه، فالذي يترك الأسباب ويقول: أنا متَّكِلٌ على الله،
هذا عاجز، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ،
وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلاَ تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلاَ تَقُلْ لَوْ
أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ
فَعَلَ» ([1])، قال صلى الله عليه
وسلم: «الكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ،
وَالعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللهِ
الأَْمَانِيَّ» ([2]). فلا بد من فعل
الأسباب النافعة المفيدة، التي جعلها الله أسبابًا.
والجنة لا تُدْخَل إلاّ بعمل، قال تعالى: ﴿ٱدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ﴾ [النحل: 32]، والباء هنا باء السَّببيّة وليست باء الثمن، أي: بسبب ما كنتم تعملون، والجنة لا تُنال بالأثمان، وإنما هي فضل من الله جل وعلا ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «لَنْ يُنْجِيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ» قَالَ رَجُلٌ: وَلاَ إِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «وَلاَ إِيَّايَ، إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ» ([3]) فالعمل سبب لدخول الجنة، وبدون العمل لن يدخل أحدٌ الجنة، وترك العمل عجز، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنَّى على الله الأماني.
([1]) أخرجه: مسلم رقم (2664).
الصفحة 3 / 376