×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الخامس

إنما يرخص فيما إذا سلم عليه ثم أراد الدعاء، أن يدعو مستقبل القبلة، إما مستدبر القبر، أو منحرفًا عنه، وهو أن يستقبل القبلة ويدعو، ولا يدعو مستقبل القبر، وهكذا المنقول عن سائر الأئمة.

ليس في أئمة المسلمين من استحب للمارِّ أن يستقبل قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو عنده.

وهذا الذي ذكرناه عن مالك والسلف يبين حقيقة الحكاية المأثورة عنه، وهي الحكاية التي ذكرها القاضي عياض عن محمد بن حميد قال: «ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكًا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له مالك: يا أمير المؤمنين، لا ترفع صوتك في هذا المسجد؛ فإنَّ الله تعالى أدَّب قومًا فقال: ﴿لَا تَرۡفَعُوٓاْ أَصۡوَٰتَكُمۡ فَوۡقَ صَوۡتِ ٱلنَّبِيِّ [الحجرات: 2]، ومدح قومًا فقال ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصۡوَٰتَهُمۡ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ [الحجرات: 3]، وذم قومًا فقال: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلۡحُجُرَٰتِ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ [الحجرات: 4]، وإن حرمته ميتًا كحرمته حيًّا. فاستكان له أبو جعفر، وقال: يا أبا عبد الله، أستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: ولمَ تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم إلى الله يوم القيامة؟ بل استقبله واستشفع به، فيشفعه الله فيك، قال الله تعالى: ﴿وَلَوۡ أَنَّهُمۡ إِذ ظَّلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ جَآءُوكَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ ٱللَّهَ [النساء: 64] ».

فهذه الحكاية على هذا الوجه: إما أن تكون ضعيفة أو مُغَيَّرة، وإما أن تفسَّر بما يوافق مذهبه؛ إذ قد يُفهم منها ما هو خلاف مذهبه المعروف بنقل الثقات من أصحابه، فإنه لا يختلف مذهبه أنه


الشرح