لا
يستقبل القبر عند الدعاء، وقد نصَّ على أنه لا يقف عند الدعاء مُطلقًا، وذكر طائفة
من أصحابه أنه يدنو من القبر ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو مستقبل
القبلة ويوليه ظهره، وقيل: لا يوليه ظهره.
فاتفقوا في استقبال القبلة، وتنازعوا في تولية القبر
ظهره وقت الدعاء، وأما الحكاية في تلاوة مالك هذه الآية فهي -والله أعلم- باطلة.
فإن هذا لم يذكره أحد من الأئمة فيما أعلمه. ولم يذكر أحد منهم أنه استحب أن يسأل
النبي صلى الله عليه وسلم بعد الموت لا استغفارًا ولا غيره، وكلام مالك المنصوص
عنه وعن أمثاله ينافي هذا.
وإنما يعرف مثل هذا في حكاية ذكرها طائفة من متأخري
الفقهاء عن أعرابي: أنه أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وتـلا هذه الآية. وأنشد
بيتين:
يا
خير من دُفِنَتْ بالقاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع
والأكم
نفسي
الفداء لقبر أنت ساكنه
فيه العفاف وفيه الجود والكرم
ولـهذا استحب طائفة من متأخري الفقهاء من أصحاب
الشافعي وأحمد مثل ذلك، واحتجوا بهذه الحكاية التي لا يثبت بها حكم شرعيٌّ، لا
سيما في مثل هذا الأمر الذي لو كان مشروعًا مندوبًا لكان الصحابة والتابعون أعلم
به وأعمل به من غيرهم، بل قضاء حاجة مثل هذا الأعرابي وأمثاله لها أسباب قد بُسطت
في غير هذا الموضع.
وليس كل من قُضيت حاجته لسبب يقتضي أن يكون السبب مشروعًا مأمورًا به. فقد كان صلى الله عليه وسلم يُسأل في حياته المسألة فيعطيها -لا يرد سائلاً- وتكون المسألة محرمة في حق السائل، حتى قال: «إِنِّي لَأُعْطِي أَحَدهُمْ العَطِيَّةِ، فَيَخْرُجُ بِهَا يَتَأَبَّطُهَا نَارًا»،