فإنَّ إبراهيم عليه السلام سلك هذه السبيل؛
لأنَّ قومه كانوا يتخذون الكواكب أربابًا، يدعونها ويسألونها، ولم يكونوا هم ولا
أحد من العقلاء يعتقد أنَّ كوكبًا من الكواكب خلق السماوات والأرض، وإنما كانوا
يدعونها من دون الله على مذهب هؤلاء المشركين، ولـهذا قال الخليل عليه السلام: ﴿قَالَ أَفَرَءَيۡتُم مَّا كُنتُمۡ تَعۡبُدُونَ ٧٥ أَنتُمۡ
وَءَابَآؤُكُمُ ٱلۡأَقۡدَمُونَ ٧٦ فَإِنَّهُمۡ عَدُوّٞ لِّيٓ إِلَّا رَبَّ
ٱلۡعَٰلَمِينَ﴾ [الشعراء: 75- 77] وقال
عليه السلام: ﴿وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوۡمِهِۦٓ إِنَّنِي بَرَآءٞ
مِّمَّا تَعۡبُدُونَ ٢٦ إِلَّا ٱلَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُۥ سَيَهۡدِينِ﴾ [الزخرف: 26-
27].
والخليل صلوات الله عليه أنكر شركهم بعبادة الكواكب
العلوية، وشركهم بالأوثان التي هي تماثيل وطلاسم لتلك الكواكـب، أو هي أمثالٌ لـمن
مات من الأنبياء والصَّالحين وغيرهم، وكسر الأصنام كما قال تعالى عنه: ﴿فَجَعَلَهُمۡ جُذَٰذًا إِلَّا كَبِيرٗا لَّهُمۡ لَعَلَّهُمۡ إِلَيۡهِ يَرۡجِعُونَ﴾ [الأنبياء:
58].
والمقصود هنا: أنَّ الشرك وقع كثيرًا، وكذلك الشرك
بأهل القبور بمثل دعائهم والتضرُّعِ إليهم والرغبة إليهم، ونحو ذلك.
*****
وجاء تفسير الجبت بأنه السحر، والطاغوت: هو
الشيطان، أو: الجبت: الشرك، والطاغوت: الشيطان، وكلاهما حق؛ أي: كلا التفسيرين حق،
فإن الجبت يفسَّر بالسحر ويفسَّر أيضًا بالشرك، فاختلاف المفسِّرين في هذا الأمر
اختلاف تنوُّع، وليس اختلاف تضاد؛ لأنَّ اللفظ يحتمل ويشتمل على كل هذه المعاني،
وكل واحد من المفسّرين يأخذ منها معنى.
الصفحة 1 / 376