فإذا كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة
التي تتضمن الدعاء لله وحده خالصًا عند القبور، لئلا يُفضي ذلك إلى نوع من الشرك
بربهم، فكيف إذا وُجد ما هو عين الشرك من الرغبة إليهم، سواء طُلب منهم قضاء
الحاجات وتفريج الكربات، أو طُلب منهم أن يطلبوا ذلك من الله تعالى، بل لو أقسم
على الله ببعض خلقه من الأنبياء والملائكة وغيرهم، لنُهي عن ذلك ولو لم يكن عند
قبره، كما لا يقسم بمخلوقٍ مطلقًا، وهذا القَسَم منهيٌّ عنه، غير منعقدٍ باتفاق
الأئمَّة. وهل هو نهيُ تحريم أو تنزيه؟ على قولـين، أصحُّهما: أنه نهيُ تحريم.
*****
الشرك باطلٌ من أصله؛ لأنه منافٍ للتوحيد،
ومنافٍ للحكمة الإلهية في خلق المخلوقات؛ لأنَّ العبادة حق لله عز وجل قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ
وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ ٥٦ مَآ أُرِيدُ مِنۡهُم مِّن رِّزۡقٖ وَمَآ
أُرِيدُ أَن يُطۡعِمُونِ﴾ [الذاريات: 56- 57] فعبادة المخلوق ومساواته بالخالق
إنما هو من انتكاس الفِطَر، ولكن السبب في هذا هو الوسائل؛ يعني: اتخاذ الوسائل التي
تُفضِي إليه، فالصلاة عند القبور تفضي إلى الشرك، ولو على المدى البعيد، والصلاة
عند طلوع الشمس أو عند غروبهـا تُفضِي إلى عبادة الشمس، كما حصل لعبّاد الشمس،
فالوسيلة لها حُكْم الغاية.
قوله: «بل لو أقسم على الله ببعض خلقه من الأنبياء والملائكة وغيرهم لنُهي عن ذلك، ولو لم يكن عند قبره، كما لا يُقسم بمخلوقٍ مطلقًا، وهذا القَسَم منهيٌّ عنه غير منعقد باتفاق الأئمة، وهل هو نهي تحريم أو تنزيه؟ على قولين: أصحهما: أنه نهي تحريم» النبي صلى الله عليه وسلم نهى
الصفحة 4 / 376