فلفظ «التوسل» بالشخص و«التوجه» به و«السؤال» به فيه
إجمال واشتراك، غلط بسببه من لم يفهم مقصود الصحابة، يراد به التسبب به، لكونه
داعيًا وشافعًا مثلاً، أو لكون الداعي مجيبًا له مطيعًا لأمره، مقتديًا به، فيكون
التسبب إما بمحبة السائل له واتباعه له، وإما بدعاء الوسيلة وشفاعته، ويُراد به
الإقسام به والتوسل بذاته، فلا يكون التوسل بشيء منه ولا بشيء من السائل بل بذاته،
أو لمجرد الإقسام به على الله.
فهذا الثاني هو الذي كرهوه ونهوا عنه، وكذلك لفظ
السؤال بشيء قد يراد به المعنى الأول. وهو التسبب به لكونه سببًا في حصول المطلوب،
وقد يراد به الإقسام.
ومن الأول: حديث الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى الغار، وهو حديث مشهور في الصحيحين وغيرهما، فإن الصخرة انطبقت عليهم فقالوا: «لِيَدْعُ كل رجل منكم بأفضل عمله. فقال أحدهم: اللهم إنه كانت لي ابنةُ عَمٍّ فأحببتها كأشد ما يحب الرجال النساء، وأنها طلبت مني مائة دينار، فلما أتيتها بها قالت: يا عبد الله اتق الله ولا تَفُضَّ الخاتم إلاّ بحقه، فتركت الذهب وانصرفت، فإن كنت إنما فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافْرُج عنا، فانفرجت لهم فُرْجـة رأوا منها السماء. وقال الآخر: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغْبُقُ قبلهما أهلاً ولا مالاً، فناء بي طلب الشجر يومًا، فلم أرُحْ عليهما حتى ناما، فحلبت لهما غَبوقهما، فوجدتهما نائمين، فكرهت أن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً، فلبثت والقدَح على يدي، أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر، فاستيقظا فشربا غَبوقهما،