×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الخامس

وأيضًا فإنَّ المكان الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلِّي فيه بالمدينة النبوية دائمًا، لم يكن أحد من السلف يستلمه ولا يقبله، ولا المواضع التي صلّى بها في مكة وغيرها، فإذا كان الموضع الذي كان يطؤه بقدميه الكريمتـين ويصلي عليـه لم يشرع لأمتـه التمسح به ولا تقبيلـه، فكيف بما يقال: إنَّ غيره صلّى فيه أو نام عليه؟

وإذا كان هذا ليس بمشروع في موضع قدميه للصلاة، فكيف هو بالنعل الذي هو موضع قدميه للمشي وغيره؟ هذا إذا كان النقل صحيحًا، فكيف بما لا يُعلم صحته؟ أو بما يُعلم أنه كذب؟ كحجارة كثيرة يأخذها الكذابون وينحتون فيها موضع قدم، ويزعمون عند الجهال أن هذا موضع قدم النبي صلى الله عليه وسلم.

وإذا كان هذا غير مشروع في موضع قدميه وقدمي إبراهيم الخليل الذي لا شك فيه، ونحن مع هذا قد أُمرنا أن نتخذه مُصلى، فكيف بما يقال: إنه موضع قدميه كذبًا وافتراءً عليه؟! كالموضع الذي بصخرة بيت المقدس وغير ذلك من المقامات، فإن قيل: قد أمر الله أن نتخذ من مقام إبراهيم مصلى، فيقاس عليه غيره، قيل له: هذا الحكم خاص بمقام إبراهيم الذي بمكة، سواء أريد به المقام الذي عند الكعبة موضع قيام إبراهيم، أو أريد به المشاعر: عرفة ومزدلفة ومنى، فلا نزاع بين المسلمين أنَّ المشاعر خُصت من العبادات بما لا يشركها فيه سائر البقاع، كما خُص البيت بالطواف، فما خُصت به تلك البقاع لا يقاس عليها غيرها، وما لم يُشرع فيها فأولى أن لا يشرع في غيرها، ونحن استدللنا على أن ما لم يشرع هناك من التقبيل والاستلام أولى أن لا يشرع في غيرها،


الشرح