×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الخامس

ثم قال: ﴿وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ سَيُؤۡتِينَا ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ وَرَسُولُهُۥٓ [التوبة: 59] فجعل الفضل لله، وذكر الرسول في الإيتاء؛ لأنه لا يُباح إلاّ ما أباحه الرسول، فليس لأحدٍ أن يأخذ كل ما تيسر له إن لم يكن مُباحًا في الشريعة.

ثم قال: ﴿إِنَّآ إِلَى ٱللَّهِ رَٰغِبُونَ [التوبة: 59]، فجعل الرغبة إلى الله وحده دون ما سواه، كما قال تعالى: ﴿فَإِذَا فَرَغۡتَ فَٱنصَبۡ ٧ وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرۡغَب [الشرح: 7- 8].

فأمرَ بالرغبة إليه. ولم يأمر الله قط مخلوقًا أن يسأل مخلوقًا، وإن كان قد أباح ذلك في بعض المواضع لكنه لم يأمر به، بل الأفضل للعبد أن لا يسأل قط إلاّ الله، كما ثبت في «الصحيح» في صفة الذين يدخلون الجنة بغير حساب «هُمُ الَّذِينَ لاَ يَسْتَرْقُونَ، وَلاَ يَكْتَوُونَ، وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» ([1])، فجعل من صفاتهم أنهم لا يسترقون، أي: لا يطلبون من غيرهم أن يرقيهم، ولم يقل: لا يَرْقون، وإن كان ذلك قد روي في بعض طرق مسلم، فهو غلط، فإن النبي صلى الله عليه وسلم رقى نفسه وغيره، لكنه لم يسترق، فالمسترقي طالبٌ للدعاء من غيره، بخـلاف الراقي غيره، فإنه داعٍ له.

*****

الواجب على المسلم أن يستغني عن الناس، وأن يعلّق قلبه بالله، فلا يسأل إلاّ الله، قال صلى الله عليه وسلم لابن عباس: «إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ» ([2]) فهذا هو الأفضل والأحوط له، ويجوز أن يَسأل المخلوق فيما يقدر عليه المخلوق، ولكن الأفضل ترك ذلك، والاستغناء بالله عز وجل.


الشرح

([1] أخرجه: البخاري رقم (5705)، ومسلم رقم (220).

([2] أخرجه: الترمذي رقم (2516)، وأحمد رقم (2669).