×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الخامس

وكذلك قال تعالى: ﴿وَلَوۡ أَنَّهُمۡ رَضُواْ مَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ سَيُؤۡتِينَا ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ وَرَسُولُهُۥٓ إِنَّآ إِلَى ٱللَّهِ رَٰغِبُونَ [التوبة: 59] فجعل الإيتاء لله وللرسول، كما قال تعالى: ﴿وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ [الحشر: 7]، فالحلال ما حلله الرسول، والحرام ما حرمهُ الرسول، والدِّين ما شرعه الرسول.

وجعل التحسّب بالله وحده، فقال تعالى: ﴿وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ [التوبة: 59] ولم يقل: ورسوله، كما قال تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدۡ جَمَعُواْ لَكُمۡ فَٱخۡشَوۡهُمۡ فَزَادَهُمۡ إِيمَٰنٗا وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ [آل عمران: 173]، وقال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسۡبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ [الأنفال: 64] أي: حسبـك وحسب مـن اتبعك الله، فهو وحـده كافيكم، ومن ظَنَّ أن معناها: حَسْبُك الله والمؤمنون، فقد غلط غلطًا عظيمًا؛ لوجوه كثيرة مبسوطة في غير هذا الموضع.

*****

 الحسبُ وهو الكافي، نوع من اختصاص الله سبحانه وتعالى لا يشاركه فيه غيره، ولهذا قال: ﴿حَسۡبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أي: وحسب من اتَّبعك من المؤمنين، فالله جل وعلا حَسْبَ الجميع وكافيهم، وكافلهم سبحانه وتعالى وهو وكيلهم، وأما الإيتاء وهو الإعطاء، فيكون من الله جل وعلا فالله يعطي، والرسول صلى الله عليه وسلم يعطي من المال، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يَا فَاطِمَةُ سَلِينِي مِنْ مَالِي مَا شِئْتِ، لاَ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا» ([1]) فالإيتاء وهو الإعطاء من المال، هذا يكون من الله، ويكون من الرسول صلى الله عليه وسلم، ويكون من الخلق.


الشرح

([1] أخرجه: البخاري رقم (2753) ومسلم رقم (206).