قال طائفة من السلف: لما أنزل الله قوله: ﴿وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ ٱلۡإِسۡلَٰمِ دِينٗا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ﴾ [آل عمران:
85]، قالت اليهود والنصارى: نحن مسلمون، فأنزل الله: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَيۡتِ مَنِ ٱسۡتَطَاعَ إِلَيۡهِ
سَبِيلٗاۚ﴾ فقالوا: لا نحج، فقال تعالى: ﴿وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ ٱلۡعَٰلَمِينَ﴾ [آل عمران:
97].
وقوله تعالى: ﴿وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ ٱلۡإِسۡلَٰمِ دِينٗا﴾ الآية عامّة في الأولين والآخرين، بأنَّ دِين الإسلام هو دِين الله
الذي جاء به أنبياؤه، وعليه عباده المؤمنون، كما ذكر الله ذلك في كتابه، من أول
رسول بعثه إلى أهل الأرض: نوح، وإبراهيم، وإسرائيل، وموسى، وسليمان، وغيرهم من
الأنبياء والمؤمنين.
قال الله تعالى في حق نوح: ﴿وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ نُوحٍ إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ إِن
كَانَ كَبُرَ عَلَيۡكُم مَّقَامِي وَتَذۡكِيرِي بَِٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَعَلَى
ٱللَّهِ تَوَكَّلۡتُ فَأَجۡمِعُوٓاْ أَمۡرَكُمۡ وَشُرَكَآءَكُمۡ ثُمَّ لَا يَكُنۡ
أَمۡرُكُمۡ عَلَيۡكُمۡ غُمَّةٗ ثُمَّ ٱقۡضُوٓاْ إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ ٧١ فَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ
فَمَا سَأَلۡتُكُم مِّنۡ أَجۡرٍۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِۖ وَأُمِرۡتُ
أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ﴾ [يونس: 71- 72]
*****
المراد بالإسلام في الآية: الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه جاء بالإسلام الخاص، كما أنَّ الرسل كلهم جاؤوا بالإسلام العام؛ الذي يدعو إلى إفراد الله جل وعلا بالعبادة، ولكنَّ الشرائع تختلف، وآخرها شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، فبعد بعثته لم يبق دين إلاّ ما جاء به صلى الله عليه وسلم ونُسخت الأديان السابقـة بشريعته صلى الله عليه وسلم، فلما سمِع اليهود قول الله تعالى: ﴿وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ ٱلۡإِسۡلَٰمِ دِينٗا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ﴾ قالوا: نحن مسلمون فيُقبل منّا،
الصفحة 3 / 376