×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الخامس

وقد زيَّن الشيطان لكثير من الناس سوء عملهم، واستزلَّـهم عن إخلاص الدين لربهم إلى أنواع من الشرك، فيقصدون بالسفر والزيارة رضا غير الله، والرغبة إلى غيره، ويشدُّون الرحال: إما إلى قبر نبي أو صاحب أو صالح، أو ما يظن أنه نبي أو صاحب أو صالح، داعين له راغبين إليه.

ومنهم من يظن أنَّ المقصود من الحج هو هذا، فلا يستشعر إلاّ قصد المخلوق المقبور.

ومنهم من يرى أنَّ ذلك أنفع له من حج البيت.

*****

فيما يسوغ فيه الاجتهاد حَسموه بالرجوع إلى كتاب الله وسنة نبيه، كما قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ» ([1])، والله جل وعلا قال: ﴿فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ [النساء: 59]، فالاختلاف إن كان في العقيدة فلا يجوز ولا يسوغ أبدًا؛ لأنَّ العقيدة ليست محل اختلافٍ ولا اجتهاد، وإنما هي توقيفية، أما الاختلاف في الأحكام الفقهية المستنبطة من الكتاب والسنة، فربما يحصل اختلاف في وجهات النظر حسب المدارك، ولكن الميزان والمرجع هو الكتاب والسنة للجميع.

لما كان المُسلمون يتجهون إلى بيتٍ واحد، ومكان واحد، اتفقت كلمتهم، وتآخوا فيما بينهم، وأعلنوا التوحيـد بقولهم: «لبيك لا شريك لك»، وأما أهل الشرك وعبدة الأوثان والقبور والأضرحة، فكلٌّ له وثن وكلٌّ له قبر يعظمه، وكلٌّ له مزار، فلذلك يتنازعون ويختلفون ولا يجتمعون أبدًا.


الشرح

([1] أخرجه: أبو داود رقم (4607)، وابن ماجه رقم (42)، وأحمد رقم (17144).