بخلاف أهل التوحيد، فإنهم يعبدون الله وحده ولا يشركون
به شيئًا، في بيوته التي قد أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، مع أنه قد جعل لهم
الأرض كلها مسجدًا وطهورًا، وإن حصل بينهم تنازع في شيء مما يسوغ فيه الاجتهاد، لم
يوجب ذلك لهم تفرقًا ولا اختلافًا، بل هم يعلمون أن المصيب منهم له أجران، وأن
المجتهد المخطئ له أجر على اجتهاده، وخطؤه مغفور له، والله هو معبودهم وحده، إياه
يعبدون وعليه يتوكلون، وله يخشون ويرجون، وبه يستعينون ويستغيثون، وله يدعون
ويسألون، فإن خرجوا إلى الصلاة في المساجد كانوا مبتغين فضلاً منه ورضوانًا، كما
قال تعالى في نعتهم: ﴿تَرَىٰهُمۡ رُكَّعٗا سُجَّدٗا
يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٗاۖ﴾ [الفتح: 29].
وكذلك إذا سافروا إلى أحد المساجد الثلاثة، لا سيما
المسجد الحرام الذي أُمروا بالحجِّ إليه، قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُحِلُّواْ شَعَٰٓئِرَ ٱللَّهِ
وَلَا ٱلشَّهۡرَ ٱلۡحَرَامَ وَلَا ٱلۡهَدۡيَ وَلَا ٱلۡقَلَٰٓئِدَ وَلَآ
ءَآمِّينَ ٱلۡبَيۡتَ ٱلۡحَرَامَ يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّن رَّبِّهِمۡ وَرِضۡوَٰنٗاۚ﴾ [المائدة: 2]، فهم يؤمّـون بيته يبتغون فضلاً من ربهم
ورضوانًا، لا يرغبون إلى غيره، ولا يرجون سواه، ولا يخافون إلاّ إيّاه.
*****
أهل التوحيد يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك، فيعلنون التوحيد، وأنَّ الله لا شريك له، وأنهم جاؤوا لعبادته وحده لا شريك له، لا يتفرَّقون في ذلك، فالذين يعبدون ربًّا واحدًا وهو الله سبحانه وتعالى يجتمعون؛ لأنها تجتمع قلوبهم، وإذا حصل بينهم اختلاف