ولهذا حجّ آدمُ موسى عليهما السلام، لـمّا لام موسى
آدم لأجل المصيبة التي حصلتْ لهم بأكله من الشجرة، فذكر له آدم أنَّ هذا كان
مكتوبًا قبل أن أُخلق، فحجّ آدمُ موسى.
كما قال تعالى: ﴿مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ
إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ أَن نَّبۡرَأَهَآۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ
يَسِيرٞ﴾ [الحديد: 22]، وقال تعالى: ﴿مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ
بِٱللَّهِ يَهۡدِ قَلۡبَهُۥۚ﴾ [التغابن: 11]، قال
بعض السلف: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلِّم.
فهذا هو جهة احتجاج آدم بالقدر، ومعاذ الله أن يحتجَّ
آدم أو من هو دونه من المؤمنين على المعاصي بالقدر، فإنه لو ساغ هذا لساغ أن يحتج
إبليس ومن اتبعه من الإنس والجن بذلك، ويحتج به قوم نوح وعاد وثمود، وسائر أهل
الكفر والفسوق والعصيان، ولم يُعاقِب ربُّنا أحدًا، وهذا مما يُعلم فساده
بالاضطرار شرعًا وعقلاً.
فإنَّ هذا القول لا يطرده أحد من العقلاء، فإنَّ طرده
يوجب أن لا يُلام أحد على شيء ولا يُعاقَب عليه.
وهذا المحتج بالقدر لو جنى عليه جانٍ لطالبه، فإن كان القدر حجة للجاني عليه، وإلاّ فليس حجة لا لهذا ولا لهذا. ولـو كان الاحتجاج بالقدر مقبولاً لم يمكن للناس أن يعيشوا إذا كان لكلِّ من اعتدى عليهم أن يحتج بذلك فيقبلوا عُذره ولا يُعاقبوه، ولا يمكن اثنين من أهل هذا القول أن يعيشا؛ إذ لكلٍّ منهما أن يقتل الآخر، ويفسد جميع أموره، محتجًّا على ذلك بالقدر.
الصفحة 2 / 376