قال الإمام ابن القيم في تفسير الآية الأولى: « فُسر هذا
الظن بأنَّه سُبحانه لا ينصر رسوله وأَنَّ أمره سَيَضْمَحِلُّ، وفُسر بأَنَّ ما
أصابه لم يكن بقدر اللَّه وحكمته، ففسر بإنكار الحكمة وإنكار القدر وإنكار أَنَّ
يتم أمر رسوله، وأَنْ يُظهره على الدين كلِّه، وهذا هو ظنُّ السوء الذي ظن
المنافقون والمشركون في سورة الفتح، وإِنَمَّا كان هذا ظن السوء، لأنَّه ظنٌ لا
يليق به سبحانه ولا بحكمته وحمده ووعده الصادق، فَمَنْ ظن أنَّه يديل الباطل على
الحق إدالة مستمرة يضمحلُّ معها الحق، أو أنكر أَنْ يكون ما جرى بقضائه وقدره، أو
أنكر أَنْ يكون قَدَرُه لحكمةٍ بالغةٍ يستحق عليها الحمد، بل زعم أَنَّ ذلك لمشيئة
مجردة، فذلك ظن الذين كفروا، فويل للذين كفروا مِنْ النار.
وأكثر الناس يظنون باللَّه ظن
السوء فيما يختص بهم وفيما يفعله بغيرهم، ولا يسلم مِنْ ذلك إلا مِنْ عرف اللَّه
وأسماءه وصفاته وموجب حكمته وحمده. فليعتن اللبيب الناصح لنفسه بهذا، وليتب إلى
اللَّه، وليستغفره مِنْ ظنه بربه ظن السوء. ولو فتشت مِنْ فتشت، لرأيت عنده تعنتا
على القدر وملامة لهُ، وأنَّه كان ينبغي أَنْ يكون كذا وكذا، فمستقل ومستكثر، وفتش
نفسك هل أنت سالم مِنْ ذلك؟.
فَإِنْ تَنْجُ مِنْهَا تَنْجُ مِنْ ذِيْ عَظِيْمَةٍ **** وَإِلاَّ فِإنَّيْ
لاَ أَخالُكُ نَاجِيًا».
وقال ابن القيم رحمه الله : «فمَن ظن به أنَّه لاَ ينصر رسوله، وَلا يتم أمره، ولا يؤيده ويؤيد حزبه ويعليهم ويظفرهم بأعدائهم ويظهرهم، وأنَّه لا ينصر دينه وكتابه، وأنَّه يديل الشرك على التَّوْحِيْد والباطل على الحق إدالة مستقرة يَضْمَحِلُ معها التَّوْحِيْد والحق اضْمِحْلالاً لا يقوم بعده أبدًا، فقد ظن باللَّه ظن السوء، وَنَسَبه إلى خلاف ما يليق بجلاله وكماله وصفاته ونعوته، فإِن حمده وعزته وحكمته وإلهيته تأبى ذلك،