×
اَلْإِرْشَاد إِلَى صَحِيحِ اَلْاَعَتَقَادُ

·       تنبيه هام:

وَعَذَاب القَبْر وسؤال الملكين ينالان كلَّ مَنْ مات، ولو لم يُدْفن، فهو اسم لعذاب البرزخ ونعيمه، وهو ما بين الدُّنْيَا والآخرة، قال تعالى: ﴿وَمِن وَرَآئِهِم بَرۡزَخٌ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ [المؤمنون: 100] ، وسُمِّي عذاب القَبْر باعتبار الغالب، فالمصلوب والمحرق والمغرق وأكيل السباع والطيور له مِنْ عذاب البرزخ ونعيمه قسطه الَّذِي تقتضيه أعماله، وإِنْ تنوَّعت أسباب النعيم والعذاب وكيفيَّاتهما.

فقد ظَنَّ بعض الأوائل أنَّهُ إِذَا حُرِقَ جسده بالنَّار وصار رمادًا وذري بعضه في البَحْرِ وبعضه في البر في يوم شديد الرِّيحِ، أنَّهُ ينجو مِنْ ذلك، فأوصى بَنيِه أَنْ يفعلوا به ذلك، فَأمر اللَّه البَحْرِ فجمع ما فيه، وأمر البر فجمع ما فيه، ثم قال: قُمْ، فإذا هو قائم بيني يدي اللَّه، فَسَألهُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا فَعَلْت؟ فَقَالَ: خَشْيَتُكَ يَا رَبِّ، وَأَنَتَ أعْلَم. فـرحمه الله ([1]).

 فَلَمْ يفت عذاب البرزخ ونعيمه لهذه الأجزاء الَّتِيْ صارت في هذه الحال.

حتى لو عُلِّقَ الميت على رءوس الأشجار في مهاب الرياح، لأصاب جسده مِنْ عذاب البرزخ حظه ونصيبه، ولو دُفِنَ الرجل الصالح في أتون مِنْ النار، لأصاب جسده مِنْ نعيم البرزخ وروحه نصيبه وحظه، فيجعل اللَّه النار على هذا بردًا وسلامًا، والهواء على ذلك نارًا أو سمومًا.

فعناصر العالم وموادُّه منقادة لربها وفاطرها وخالقها، يُصَرِّفُها كيف يشاء، ولا يستعصي منها شيء أراده، بل هي طوع أمره ومشيئته منقادة لقدرته، فغير ممتنع أنْ ترد الروح إلى المصلوب والغريق والمحرق ونحن لا نشعر بها، لأنَّ ذلك الرد نوع آخر غير المعهود،


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (3481)، ومسلم رقم (2756).