فهذا المغمى عليه والمسكور
والمبهوت أحياء وأرواحهم معهم ولا تشعر بحياتهم، ومَنْ تفرقت أجزاؤه لا يمتنع على
مَنْ هو على كل شيء قدير أنْ يجعل للروح اتصالا بتلك الأجزاء على تباعد ما بينها
وقربه، ويكون في تلك الأجزاء شعور بنوع مِنْ الألم واللذة.
وإذا كان اللَّه تعالى قد جعل في الجمادات شعورًا
وإدراكًا تسبِّح ربها به، وتسقط الحجارة مِنْ خشيته، وتسجد له الجبال والشجر،
وتسبحه الحصى والمياه والنبات، كما قال تعالى: ﴿وَإِن
مِّن شَيۡءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمۡدِهِۦ وَلَٰكِن لَّا تَفۡقَهُونَ
تَسۡبِيحَهُمۡۚ﴾ [الإسرَاء: 44] ، فإذا كانت هذه الأجسام فيها الإحساس
والشعور، فالأجسام الَّتِيْ كانت فيها الأرواح والحياة أولى بذلك. وقد أشهد اللَّه
سبحانه عباده في هذه الدَّار إعادة حياة كاملة إلى بدن قد فارقته الروح فتكلَّم
ومَشى وأكل وشَرِبَ وتزوج وَوُلِدَ له:
قال سبحانه: ﴿أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ
خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَهُمۡ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِ فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ
مُوتُواْ ثُمَّ أَحۡيَٰهُمۡۚ﴾ [البَقَرَة: 243] . وقال سبحانه: ﴿أَوۡ كَٱلَّذِي
مَرَّ عَلَىٰ قَرۡيَةٖ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحۡيِۦ
هَٰذِهِ ٱللَّهُ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۖ فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِاْئَةَ عَامٖ ثُمَّ
بَعَثَهُۥۖ قَالَ كَمۡ لَبِثۡتَۖ قَالَ لَبِثۡتُ يَوۡمًا أَوۡ بَعۡضَ يَوۡمٖۖ﴾ [البَقَرَة: 259].
وكقبيل بني إسرائيل الَّذِين قالوا لموسى: ﴿لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ
نَرَى ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ﴾ [البَقَرَة: 55] فأماتهم اللَّه ثم بعثهم مِنْ بعد
موتهم. وكأصحاب الكهف. وكقصة إبراهيم في الطيور الأربعة.
فإذا أعاد الحياة التامة إلى هذه الأجساد بعدما بردت بالموت، فكيف يمتنع على قدرته الباهرة أنْ يعيد إليها بعد موتها حياة ما غير مستقرة يقضي بها أمره فيها ويستنطقها بها ويعذبها أو ينعمها بأعمالها؟، وهل إنكار ذلك إلا مجرد تكذيب وعناد وجحود؟.
الصفحة 2 / 367