×
اَلْإِرْشَاد إِلَى صَحِيحِ اَلْاَعَتَقَادُ

ومِنْ ظن أنَّه يُضيِّع عليه عملَه الصالح الذي عمله خالصًا لوجهه على امتثال أمره ويُبِطله بلا سبب مِنْ العبد، وأنَّه يعاقبه بما لا صنع له فيه ولا اختيار له ولا قدرة ولا إرادة له في حصوله، بل يعاقبه على فعله هو سبحانه به، أو ظن به أنَّه يجوز عليه أَنْ يؤيد أعداءه الكاذبين عليه بالمعجزات التي يؤيد بها أنبياءه ورسله، ويجريها على أيديهم ليضلُّوا بها عباده، وأنَّه يحسن منه كلُّ شيء حتى تعذيب مَنْ أفنى عمره في طاعته فيخلِّده في الجحيم في أسفل سافلين، وينعم مَنْ استنفذ عمره في عداوته وعداوة رسله ودينه فيرفعه إلى أعلى عليين، وكلا الأمرين في الحسن عنده سواء، ولا يعرف امتناع أحدهما ووقوع الآخر إلا بخبر صادق، وإلا، فالعقل لا يقضي بقبح أحدهما وحسن الآخر، فقد ظن به ظن السوء.

ومَنْ ظن أنَّه أخبر عن نفسه وصفاته وأفعاله بما ظاهره باطل وتشبيه وتمثيل، وترك الحق لم يُخبِرْ به، وإِنَمَّا رمز إليه رموزًا بعيدة، وأشار إليه إشارات مُلِغزة، ولم يُصَرِّح به، وصرح دائمًا بالتشبيه والتمثيل والباطل، وأراد مِنْ خلقه أَنْ يتعبوا أذهانهم وقواهم وأفكارهم في تحريف كلامه عن مواضعه وتأويله على غير تأويله ويتطلَّبوا له الوجوه والاحتمالات المُستكرَهة والتأويلات التي هي بالألغاز والأحاجي أشبه منها بالكشف والبيان، وأحالهم في معرفة أسمائه وصفاته على عقولهم وآرائهم لا على كتابه، بل أراد منهم أَنْ لا يحملوا كلامه على ما يعرفونه مِنْ خطابهم ولغتهم، مع قدرته على أَنَّ يُصرِّح لهم بالحق الذي ينبغي التصريح به ويريحهم مِنْ الألفاظ التي توقعهم في اعتقاد الباطل، فلم يفعل، بل سلك بهم خلاف طريق الهدى والبيان، فقد ظن به ظن السوء.


الشرح