فمراده صلى الله عليه وسلم أنه لا يُستغاث به فيما
لا يَقدِرُ عليه إلاَّ اللهُ، وأما ما يَقدِر عليه المخلوقُ فلا مَانِعَ مِن ذلك،
مثل أن يَستَغِيث المخلوقُ بالمخلوقِ لِيُعِينَه على حَمْلِ الحَجَر، أو يَحُول
بينه وبين عَدُوِّهِ الكافرِ، أو يَدفَع عنه سَبُعًا صائلاً أو لِصًّا أو نحو ذلك.
وقد ذَكَرَ أهلُ
العِلم: أنه يَجِبُ على كُلِّ مُكلَّفٍ أن يَعلَمَ أن لا غِيَاثَ ولا مُغِيثَ على
الإطلاق إلاَّ اللهُ سبحانه،
****
فالرسول
صلى الله عليه وسلم سَدَّ البابَ في هذا، وقال: «إِنَّهُ لاَ يُسْتَغَاثُ بِي»، وجاءه قومٌ وقالوا له: «أَنْتَ سَيِّدُنَا» ولا شَكَّ أنه هو
سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، كما قال عليه الصلاة والسلام: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ» ([1])،
ولكن لَمَّا قالوا له: «أَنْتَ
سَيِّدُنَا»، خافَ عليهم مِن الغُلُوِّ، فقال صلى الله عليه وسلم: «السَّيِّدُ اللهُ»، وإن كان هو سَيِّدَهُم
عليه الصلاة والسلام، والله تعالى قال في حَقِّ يَحْيَى: ﴿وَسَيِّدٗا وَحَصُورٗا﴾
[آل عمران: 39]، لكن الرَّسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يَسُدَّ البابَ؛ لَمَّا
رآهم يَمدَحُونه خَشِيَ مِن الغُلُوِّ، فقال: «قُولُوا بِقَوْلِكُمْ أَوْ بَعْضِ قَوْلِكُمْ وَلاَ يَسْتَجْرِيَنَّكُمُ
الشَّيْطَانُ» ([2])،
فهذا من باب حماية التَّوحِيد.
قال المُصنِّفُ: «فمراده صلى الله عليه وسلم أنه لا يُستغاث
به فيما لا يَقدِرُ عليه إلاَّ اللهُ»، هذا الذي حَمَلَ المؤلِّفُ الحديثَ
عليه، والحديثُ فيه احتمالٌ آخَرُ كما ذَكَرْنَا.
قوله: «مِثل أن يَستَغِيث المخلوقُ بالمخلوقِ لِيُعِينَه على حَمْلِ الحَجَرِ»، كما لو أنَّ حَجَرًا أَضَرَّ بِهِ، أو وَقَعَ عليه، أو سَدَّ عليه الطريقَ
([1]) أخرجه: مسلم رقم (2278).
الصفحة 2 / 327