نعم، إِذَا لَمْ يَحصل من المسلم إلاَّ مُجَرَّد
التَّوسُّل الَّذِي قَدَّمْنَا تَحْقِيقَه فَهُوَ كما ذَكَرْنَاهُ سابقًا، وَلَكِن
مَن زَعَمَ أنه لم يَقَع مِنْهُ إلاَّ مُجَرَّد التَّوسُّل، وَهُوَ يَعتقد من
تَعْظِيم ذَلِكَ المَيِّت ما لاَ يَجُوز اعْتِقَاده فِي أَحَد من المخلوقين، وزاد
عَلَى مُجَرَّد الاِعْتِقَاد، فتَقرَّبَ إِلَى الأَمْوَات بالذبائح والنذور،
وناداهم مستغيثًا بهم عِنْدَ الحَاجَة، فَهَذَا كاذبٌ فِي دعواه أنه متوسِّلٌ
فَقَط، فلو كَانَ الأَمْر كما زَعَمَهُ لم يَقَع مِنْهُ شَيْءٌ من ذَلِكَ.
****
قَوْله: «إلا مُجَرَّد التَّوسُّل الَّذِي قَدَّمْنَا تَحْقِيقَه فَهُوَ كما
ذَكَرْنَاهُ سابقًا» التَّوسُّل إِلَى الله يَكُون بأسمائه وصفاته، أو يَكُون
بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَة الخالصة لوجه الله، كما فِي حَدِيث الثَّلاَثَة
الَّذِينَ أواهم الغَار، تَوسَّلُوا بصالح أَعْمَالهم فأنجاهم الله، وَكَذَلِكَ
تَتوسَّلُ بِدُعَاء الصَّالِحِينَ الحَاضِرين، وَكَمَا كَانَ الصَّحَابَة
يَتوَسَّلون بِدُعَاء النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أن يغيثهم الله إِذا
أَجدَبُوا، فَلَمَّا مَاتَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم صاروا يَتوَسَّلون
بِدُعَاء عَمِّه العَبَّاس، أن يَدْعُو لَهُم اللهَ أن يُغِيثَهم، فالتَّوسُّل
المَشْرُوع يَكُون بِدُعَاء الصَّالِحِينَ الحَاضِرين، أَمَّا التَّوسُّل
بِالأَشْخَاصِ فهذا لاَ يَجُوز وَلَمْ يَرِدْ فيه دَلِيلٌ.
قَوْله:
«وزادَ عَلَى مُجَرَّد الاِعْتِقَاد
فتَقَرَّبَ إِلَى الأَمْوَات بالذبائح والنذور» وَهُنَا مَسْأَلَة يَحسُن
التَّنْبِيه لها، إِذا كَانَ يَتوَسَّل ويَتوَسَّط ويَتشَفَّع عِنْدَ الله
بالمخلوق، فَهَذَا عَلَى قِسْمَيْنِ:
القِسْم
الأَوَّل: أن يَصرِفَ لَهُ شَيْئًا من العِبَادَة؛ كَأَنْ
يَذبَحَ للمخلوق، أو يَنذِر لَهُ، ويستغيث به، يَقُول: هَذَا واسطتي عِنْدَ الله،
فَهَذَا شِرْكٌ أَكْبَرُ، كما ذَكَرَهُ الله فِي سُورَة «يُونُس»؛ لأنه صَرَفَ العِبَادَة لهذه الواسطة الَّذِي يُقدِّمها
إِلَى الله عز وجل بِزَعمِه، وَيُرِيد إنجاز طَلَبِه من الله.
الصفحة 1 / 327