وَرُبَّمَا حَلَفَ بَعْض غُلاتِهم بالله كاذبًا،
وَلَمْ يَحلف بالميت الَّذِي يَعتقده، وَأَمَّا اعْتِقَادهم أنها تَضر وتَنفع،
فلولا اشتمال ضمائرهم عَلَى هَذَا الاِعْتِقَاد لم يَدْعُ أَحَدٌ مِنْهُمْ مَيتًا
أو حَيًّا عِنْدَ استجلابه لِنَفْعٍ، أو استدفاعه لِضُرٍّ قائلاً: يا فلان افْعَلْ
لي كَذَا وَكَذَا، وَعَلَى الله وعليكَ، وأنا بالله وبكَ،
****
قَوْله: «وَرُبَّمَا حَلَفَ بَعْض غُلاَتِهم بالله كاذبًا، وَلَمْ يَحلف بالميت
الَّذِي يَعتقده»، فَإِذَا طَلبتَ مِنْهُ اليَمِينَ بالله بَادَرَ، وَإِذَا
طَلبْتَ مِنْهُ اليَمِين بالقبر اضطَرَبَ وتَلَجلَجَ وَأَبَى أن يَحلِف، يَخاف أن
المَيِّت يَضره إِذا حَلَفَ به وَهُوَ كاذب، فيَحلف بالله كاذبًا، ولا يَحلف
بالميت كاذبًا؛ وَلِهَذَا يُروى أن بَعْضهم يَقُول: كيف تعصي اللهَ وأنت ترى
قُبَّةَ القبر قَرِيبَةً مِنْك؟!
قَوْله:
«فلولا اشتمال ضمائرهم عَلَى هَذَا
الاِعْتِقَاد لم يَدْعُ أَحَدٌ مِنْهُمْ مَيتًا أو حَيًّا عِنْدَ استجلابه
لِنَفْعٍ...» مِمَّا يدل عَلَى أَنَّهُم يَعتقدون أنها تَضر وتَنفع: أَنَّهُم
يَقُولُونَ: نَحْنُ لا نَعتقد أنها تَضر وتَنفع، ولكنا نتخذها وسائط وشفعاء؛
لأَِنَّهُم صالحون فيتوسطون لَنَا، وإلا فالضر والنفع بيد الله، يَقُول المُؤَلِّف:
إِنَّهُم يَقُولُونَ هَذَا بِأَلْسِنَتِهِم، وَلَكِنَّهُم فِي قلوبهم يَعتقدون
أنها تَضر وتَنفع، ولولا أَنَّهُم يَعتقدون ذَلِكَ ما عَبَدُوها.
ومن ذَلِكَ قَوْلهم: «وَعَلَى الله وعليكَ، وأنا بالله وبكَ» وَهَذَا تشريك بَين الخَالِق والمخلوق؛ لأن الواو تَقْتَضِي التشريك، وَأَمَّا «ثُمَّ» إِذا قَالَ: «وَعَلَى الله ثُمَّ عَلَيْكَ، وأنا بالله ثُمَّ بكَ» فَهَذَا لا بَأْسَ به؛ لأنه جَعَلَ المخلوق تَابِعًا للخالق، معطوفًا عَلَيْهِ بـ «ثُمَّ»،
الصفحة 1 / 327