وَعَلَى كل حَالٍ: فالواجب عَلَى كل مَن اطَّلَع
عَلَى شَيْءٍ من هَذِهِ الأَقْوَال والأفعال الَّتِي اتَّصَفَ بها المعتقِدون فِي
الأَمْوَات أن يُبَلِّغَهم الحُجَّةَ الشرعيةَ، ويُبَيِّنَ لَهُم ما أَمَرَهُ الله
بِبَيَانِهِ، وَأَخَذَ عَلَيْهِ الميثاق أن لا يَكتُمَه - كما حَكَى ذَلِكَ لَنَا
فِي كِتَابه العَزِيز-،
****
قَوْله: «أَنْ يُبَلِّغَهُمُ الحُجَّةَ الشَّرْعِيَّةَ»؛ أي: يَجِب عَلَى كل
مَن عَلِمَ بأفعالهم الشركية أو رآها؛ فنحن لا نَنظُر إِلَى أَنَّهُم يَعتقِدون
أنه شركٌ، أو لا يَعتقِدون، أو لا يَدْرُون، لا نَنظُر إِلَى هَذَا، بل نَحْنُ
نَدْعُوهم إِلَى الله، ونُبَيِّن لَهُم أن هَذَا الفِعْل الَّذِي يَفعلونه شركٌ
وكفرٌ بالله عز وجل، لا يَمنعنا جَهلُهم بِالحَالِ أَنَّنَا نَدعُوهم ونُبيِّن
لَهُم، لِنُقِيم عَلَيْهِمُ الحُجَّةَ، وأيضًا نَحْنُ نَقُول لَهُم هَذَا شركٌ،
وإن كَانُوا يَقُولُونَ: نَحْنُ لَسْنَا بِمُشرِكِين، نَقُول لَهُم: هَذَا شركٌ،
فالشرك لَيْسَ ما تَعتَبِره أَنْت شِركًا! أو تُفسِّره أَنْت، الشِّرْك هُوَ نفس
دعوة غير الله، وَعبَادَة غير الله، علينا أن نُبلِّغهم الحُجَّة الشرعية، قَطْعًا
لِعُذرهم.
قَوْله:
«وَيُبَيِّن لَهُم ما أَمَرَه الله
بِبَيَانِهِ، وَأَخَذَ عَلَيْهِ الميثاق أن لا يَكتُمَه، كما حَكَى ذَلِكَ لَنَا
فِي كِتَابه العَزِيز»، قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ
وَٱلۡهُدَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا بَيَّنَّٰهُ لِلنَّاسِ فِي ٱلۡكِتَٰبِ أُوْلَٰٓئِكَ يَلۡعَنُهُمُ
ٱللَّهُ وَيَلۡعَنُهُمُ ٱللَّٰعِنُونَ ١٥٩ إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصۡلَحُواْ
وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَٰٓئِكَ أَتُوبُ عَلَيۡهِمۡ وَأَنَا ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ
١٦٠﴾ [البَقَرَة: 159- 160]،
والآن كَثِيرٌ مِن العُلَمَاء يَرَوْنَ المشركين عَلَى شِركِهم عاكِفِين عَلَى
القبور، يَذبَحون لها ويَنذِرون لها، ولا يُبَيِّنُون لَهُم، ولا يُحرِّكون
ساكنًا، حَتَّى صَارَ أَمْرًا عادِيًّا، وَصَارَ الشِّرْك عِنْدَهُم أَمْرًا
مُعتَادًا، فهؤلاء كَتَمُوا ما أَنزَلَ الله، ودَخَلُوا فِي هَذَا الوعيد بلا شك،
قَالَ الله: ﴿وَإِذۡ
أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ
الصفحة 1 / 327