وَذَلِكَ لأن مِن أَكْثَر الأَسْبَاب لِعبَادَة
الأَوْثَان كَانَ تَعْظِيم القبور؛ وَلِهَذَا اتَّفَقَ العُلَمَاء عَلَى أنه من
سَلَّمَ عَلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ قبره أنه لا يتمرغ بحجرته، ولا
يُقبِّلها؛ لأنه إِنَّمَا يَكُون لأركان بَيْت الله، فَلاَ يُشَبَّهُ بَيْتُ
المخلوق بِبَيْتِ الخَالِق، كل هَذَا لِتَحْقِيق التَّوْحِيد الَّذِي هُوَ أصل
الدِّين ورأسه الَّذِي لا يَقبَل الله عَمَلاً إلاَّ به، ويَغفِر لِصَاحِبِهِ ولا
يَغفِر لِمَن تَرَكَهُ، كما قَالَ الله تَعَالَى: ﴿إِنَّ
ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن
يَشَآءُۚ وَمَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفۡتَرَىٰٓ إِثۡمًا عَظِيمًا﴾ [النِّسَاء: 48]؛
****
قَوْله:
«وَلِهَذَا اتَّفَقَ أَئِمَّة الإِسْلاَم
عَلَى أنه لا يُشرَعُ بِنَاء المَسَاجِد عَلَى القبور»؛ لأن بِنَاء المَسَاجِد
عَلَيْهَا وسيلةٌ لِعِبَادَتِهَا.
قَوْله:
«ولا الصَّلاَة عِنْدَهَا» وَكَذَا
الصَّلاَة عِنْدَهَا من غير بِنَاء، فَلاَ تَأْتِ عِنْدَ قبرٍ وتُصَلِّ عِنْدَهُ؛ لأن
هَذَا وسيلةٌ إِلَى الشِّرْك.
قَوْله: «وَذَلِكَ لأن مِنْ أَكْثَر الأَسْبَاب لِعبَادَة الأَوْثَان كَانَ
تَعْظِيم القبور» كتعظيمها بالبناء عَلَيْهَا أو بالصلاة أو الدُّعَاء
عِنْدَهَا.
قَوْله:
«اتَّفَقَ العُلَمَاء عَلَى أنه مَن
سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ قبره أنه لا يتمرغ بحجرته،
ولا يُقَبِّلُهَا»؛ أي: فمَن جَاءَ لِيُسَلِّمَ عَلَى الرَّسُول صلى الله عليه
وسلم قادمًا من سَفَرٍ لا يَزِيدُ عَلَى السَّلاَم عَلَيْهِ، ولا يتمسح بحجرته،
ولا يتمرغ عَلَى أعتابها.
قَوْله:
«لأنه إِنَّمَا يَكُون لأركان بَيْت الله»؛
أي: الاِسْتِلاَم والمسح يَكُون لأركان بَيْت الله العَتِيق، وهما الحجر الأسود
والركن اليماني، أَمَّا الرُّكْنَانِ الشاميان فإنهما لَيْسَا عَلَى قَوَاعِد
إِبْرَاهِيم، فهُمَا دَاخِلاَنِ فِي الكَعْبَة؛ وَلِذَلِكَ لا يُمسَحَان ولا
يُقَبَّلان.
قَوْله:
«فَلاَ يُشَبَّهُ بَيْتُ المخلوق بِبَيْت
الخَالِق» وَهُوَ الكَعْبَة المُشَرَّفَة.
الصفحة 1 / 327