وَلَكِنَّهُم تَرَكُوا رُكنًا من أَرْكَان
الإِسْلاَم، وَلِهَذَا أَجْمَعَت الصَّحَابَة رضي الله عنهم عَلَى قتالهم، بل
دَلَّ الدَّلِيل الصَّحِيح المتواتر عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ الأَحَادِيث الواردة
بِأَلْفَاظ مِنْهَا: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: «لاَ
إِلَهَ إلاَّ الله»، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، وَيَحُجُّوا
الْبَيْتَ، وَيَصُومُوا رَمَضَانَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي
دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلاَّ بِحَقِّهَا» ([1]).
****
قَوْله: «وَلَكِنَّهُم تَرَكُوا ركنًا من أَرْكَان الإِسْلاَم»، فهم لا
يَدْعُون إلاَّ الله، ولا استغاثوا بِغَيْر الله، ولا ذَبَحُوا لغير الله،
وَلَكِنَّهُم مَنَعُوا الزَّكَاة وَهِيَ ركن من أَرْكَان الإِسْلاَم.
قَوْله:
«وَلِهَذَا أَجْمَعَت الصَّحَابَة عَلَى
قتالهم»، لَمَّا أَقنَعَهم الصِّدِّيقُ بِذَلِكَ، وذَكَرَ لَهُم الأَدِلَّةَ؛
فاقتَنَعُوا وسَلَّمُوا وجَاهَدُوا مَعَ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه.
قَوْله
صلى الله عليه وسلم: «أُمِرْتُ أَنْ
أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: «لاَ إِلَهَ إلاَّ الله»، وَيُقِيمُوا
الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ»، فلم يقل: حَتَّى يقولوا: «لاَ إِلَهَ إلاَّ الله» فَقَط.
وَقَوْله صلى الله عليه وسلم: «إِلاَّ بِحَقِّهَا»، فلو فَعَلُوا شَيْئًا يُخالِف حَقَّ «لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ»، وَجَبَ قتالهم، وَالزَّكَاة من حَقِّهَا، الصَّلاَة من حَقِّهَا، صِيَام رمضان من حَقِّهَا، حجُّ بَيْت الله الحَرَام من حَقِّهَا، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَيۡتِ مَنِ ٱسۡتَطَاعَ إِلَيۡهِ سَبِيلٗاۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ ٱلۡعَٰلَمِينَ﴾ [آلَ عِمْرَانَ: 97]، فالذي يَتْرُكُ الحَجَّ جُحُودًا وَهُوَ يَقدِر عَلَيْهِ مُتعمِّدًا يُعتَبَر كافرًا؛ لأنه تَرَكَ رُكنًا من أَرْكَان الإِسْلاَم وإن كَانَ يَقُولُ: