ومِن هذا الباب: قول أبي يَزِيدَ البسطامِيِّ:
استغاثة المخلوق بالمخلوق؛ كاستغاثة الغريق بالغريق.
وقول الشَّيخ أبي
عبد الله القرشيِّ: استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة المسجون بالمسجون .
****
يُحكَم
بِكُفرِهِ، وعُبَّاد القبور الآن قامت عليهم الحُجَّةُ، ولكنهم عانَدُوا
وأَصَرُّوا على ما هُم عليه، فهؤلاء لا شَكَّ بِكُفرِهِم.
قوله: «قول أبي يَزِيدَ البسطاميِّ»، أبو يَزِيدَ البسطاميُّ: مِن
العُبَّاد، ومِن أئمَّة الصُّوفية القدماءِ.
قوله:
«كاستغاثة الغريق بالغريق»، هذا
صحيحٌ، فاستغاثة المخلوق بالمخلوق فيما لا يَقدِرُ عليه كاستغاثة الغريق في لُجَّة
البحر بالغريق، فالغريق لا يَقدِر أن يُنقِذ نفسَه، فكيف يَقدِر أن يُنقِذ مَن
استغاثَ به!
وإنما الذي يُغِيثُ في هذا الموقف هو الله جل وعلا؛ ولهذا المشركون على شِركِهِم إذا كانوا في البحر وهاجت عليهم الرِّياحُ وخَشُوا مِن المَوْتِ؛ فإنهم يَترُكُون دعاءَ الأوثان والأصنام والأَضْرِحَة ويُخْلِصُون الدُّعَاء لله؛ لأنهم يَعلَمُون أنه لا يُخَلِّص مِن الشدائد ولا يُغِيث في هذه المواقف إلاَّ اللهُ سبحانه وتعالى، فهم يَدْعُون اللهَ مُخلِصِين له الدُّعَاء في حالة الشِّدَّة في البحر؛ لأنهم يَعلَمُون أنه لا يُغِيث مِن ذلك إلاَّ الله وهم مُشرِكُون، فيُخلِصُون الدُّعَاء لله، لكنَّهم إذا نَجَّاهُم إلى البَرِّ عادوا إلى الشِّرك، قال تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فِي ٱلۡبَحۡرِ ضَلَّ مَن تَدۡعُونَ إِلَّآ إِيَّاهُۖ فَلَمَّا نَجَّىٰكُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ أَعۡرَضۡتُمۡۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ كَفُورًا﴾ [الإسراء: 67]، فَيَكفُر نِعمَةَ اللهِ عز وجل، ويَنسَى الذي حَصَلَ له في البحر، فالمشركون يُخْلِصُون في الشدة،
الصفحة 1 / 327