وأما الاستِعَانَة بالنُّون: فهي طَلَبُ العون،
ولا خلافَ أنه يَجُوزُ أن يُستَعَان بالمخلوق فِيمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِن أمور
الدُّنْيَا؛ كأن يَستَعِين به على أن يَحمِلَ معه مَتَاعَهُ، أو يَعلِفَ
دَابَّتَهُ، أو يُبَلِّغَ رسالَتَه، وأمَّا ما لا يَقدِرُ عليه إلاَّ اللهُ جل
وعلا فلا يُستعان فيه إلاَّ به، ومنه: ﴿إِيَّاكَ نَعۡبُدُ
وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ﴾ [الفاتحة: 5] .
****
ويُشرِكُون في الرخاء، أما عُبَّاد القبور
يُشرِكُون في الرَّخاء وفي الشِّدَّة، فشِرْكُهُم دائمٌ، فإذا وَقَعُوا في البحر
وخَشَوْا مِن الغَرَقِ؛ صاروا يُنادُون بالأولياء والصالحين ويَستَغِيثون بهم،
فصار المشركون الأوَّلون أَعلَمَ منهم بالتَّوحِيد.
قوله: «وأما الاستِعَانَة» الاستِعَانَة تكون عند الحاجة فقط، وهي بالنون، وتجوز بالمخلوق فِيمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، قال الله جل وعلا: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ﴾ [المائدة: 2]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» ([1])، فتجوز الاستِعَانَةُ بالمخلوق في أمور الدُّنْيَا والحاجة إلى المال، وأن يَحمِلَ معه شيئًا ثقيلاً، أو يُعِينَه على بِناء بيتٍ وما أَشبَهَ ذلك، وليس هذا من الشِّركِ، ويُثاب الذي يُعِينُ أخاه، أمَّا الاستِعَانَة بالمخلوق فيما لا يَقدِرُ عليه إلاَّ اللهُ؛ فهي شِركٌ، قال تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ﴾ [الفاتحة: 5] فلا يُستعان إلاَّ بالله فيما لا يَقدِرُ عليه المخلوق، كأمور أخرى كالمغفرة وقَبُول التوبة، فهذه لا يَقدِرُ عليها إلاَّ اللهُ.
([1]) أخرجه: مسلم رقم (2699).
الصفحة 2 / 327