انْظُر فاتحة الكتاب الَّتِي تُكرَّر فِي كل صلاةٍ
مراتٍ من كل فردٍ من الإِفْرَاد، ويَفتَتِح بها التَّالي لكتاب الله والمُتَعَلِّم
لَهُ، فإن فِيهَا الإِرْشَاد إِلَى إِخْلاَص التَّوْحِيد فِي مَوْضِع، فمِن
ذَلِكَ: ﴿بِسۡمِ
ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ﴾ [الفَاتِحَة: 1]؛ فإن عُلَمَاء المعاني والبيان
ذَكَرُوا أنه يُقَدِّر المُتَعَلِّق متأخِّرًا ليفيد اختصاص البِدَايَة بِاسْمِهِ
تَعَالَى، لا بِاسْم غَيره، وفي هَذَا ما لا يَخْفَى مِن إِخْلاَص التَّوْحِيد،
ومنها فِي قَوْله: ﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ﴾ [الفاتحة: 2] فإن
التَّعْرِيف يفيد أن الحَمْد مقصورٌ عَلَى الله، واللام فِي ﴿لِلَّهِ﴾ [الفاتحة: 2]
تفيد اختصاص الحَمْد به، ومقتضى هَذَا أنه لا حَمْدَ لغيره أَصْلاً، وَمَا وَقَعَ
مِنْهُ لغيره فَهُوَ فِي حُكْمِ العَدَم.
****
قَوْله: «انْظُر فاتحة الكتاب الَّتِي تُكَرَّر...»، قَالَ ابْن القيم رحمه
الله فِي مقدمة «مدارج السالكين»: إن
القُرْآن كله فِي التَّوْحِيد، لأنه إِمَّا أمرٌ بالتَّوحِيد وبيان عاقبة أهله، أو
نهيٌ عَن الشِّرْك وبيان عاقبة أهله، وَإِمَّا قَصَصٌ عَن الأُمَم الَّتِي خالَفَت
التَّوْحِيدَ، أو بَيَان من كَانُوا عَلَى التَّوْحِيد ونَصَرَهم الله ومَكَّنَ
لَهُم فِي الأُمَم، وَإِمَّا أمرٌ ونهيٌ وتشريعاتٌ، وَهِيَ من حُقُوق التَّوْحِيد،
وَإِمَّا وعدٌ ووعيدٌ، والوعد جزاء التَّوْحِيد، والوعيد جزاء الشِّرْك، فالقرآن
كله فِي التَّوْحِيد بِهَذَا الاعتبار.
قَوْله: «انْظُر فاتحة الكتاب الَّتِي تُكرَّر فِي كل صلاةٍ مراتٍ» فاتحة الكتاب فِيهَا بَيَان أنواع التَّوْحِيد، وَفِيهَا بَيَان الضَّلاَل وأهله من اليهود والنصارى وَأَتْبَاعهم، وَفِيهَا الرَّدّ عَلَى الملاحدة الَّذِينَ يُنكِرون البَعْثَ والجزاءَ والحسابَ، وَلِذَلِكَ تُسَمَّى: أُمَّ القُرْآن، وأُمُّ الشَّيْء هُوَ الَّذِي يَرجِع إِلَيْهِ الشَّيْءُ، فالقرآن كله يَرجِع إِلَى تفاصيل ما ذُكِرَ فِي الفَاتِحَة.
الصفحة 1 / 327