وَقَد عَلِمَ كل عالِمٍ أن عبَادَة الكُفَّار
للأصنام لَمْ تَكُن إلاَّ بتعظيمها، وَاعْتِقَاد أنها تَضر وتَنفع، والاستغاثة بها
عِنْدَ الحَاجَة، والتَّقرُّب لها فِي بَعْض الحالات بجزءٍ من أموالهم،
****
قَوْله: «عبَادَة الكُفَّار للأصنام»؛ يَعْنِي: عبَادَة المشركين للأصنام
مِثْل عبَادَة القبوريين للقبور، فالمشركون يَعتقدون فِي الأَصْنَام أنها تَضر
وتَنفع وإلا لَمَا عَبَدُوهَا، وَكَذَلِكَ عُبَّاد القبور يَعتقدون أنها تَضر
وتَنفع، ولولا ذَلِكَ ما عَبَدُوها، كيف يَعبدون ما لا يَضر ولا يَنفع؟
فَالمَقْصُود واحد، وَهُوَ مَقْصُود عُبَّاد الأَصْنَام وَمَقْصُود عُبَّاد القبور
واحد، فَهُم إِخْوَان، وعَمَلُهم كله شركٌ، لا يُفرَّق بَين هَذَا وَهَذَا، فَلاَ
يُفرَّق بَين المتماثِلات، ولا يُجمَع بَين المُتفَرِّقات.
قَوْله: «والتَّقرُّب لها فِي بَعْض الحالات بجزء من أموالهم»، المُشْرِكُونَ كَانُوا يُقرِّبون، ويُقدِّمون إِلَى أصنامهم شَيْئًا من أموالهم، ويَذبحون لها ويَنذِرون لها، وَكَذَلِكَ عُبَّاد القبور يَنذِرون لها، ويُقدِّمون لها التَّبَرُّعَات فِي صناديق النذور عِنْدَ الأَضْرِحَة، ويَجمعون فِيهَا الأَمْوَال تَقَرُّبًا إِلَى القبور، مِثْل ما يَفْعَل المُشْرِكُونَ من قبل سَوَاء بِسَوَاء، فالتَّقرُّب بِالأَمْوَالِ الَّتِي هِيَ أَعَزُّ شَيْء عِنْدَهُم، فيسيبون لها السَّوَائِب والبحائر، قَالَ تَعَالَى: ﴿مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِنۢ بَحِيرَةٖ وَلَا سَآئِبَةٖ وَلَا وَصِيلَةٖ وَلَا حَامٖ وَلَٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَۖ وَأَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ﴾ [المَائِدَة: 103]، هَذِهِ أنواع من الإِبِل يسيبونها للأصنام.
الصفحة 1 / 327