وَهَذَا كله قَد وَقَعَ من المُعْتَقِدِين فِي
القبور، فإنهم قَد عَظَّمُوها إِلَى حَدٍّ لا يَكُون إلاَّ لله سُبْحَانَهُ، بل
ربما يَترُك العَاصِي مِنْهُمْ فِعل المَعْصِيَة إِذا كَانَ فِي مَشهَد مَن
يَعتقده أو قريبًا مِنْهُ؛ مَخَافَة تعجيل العُقُوبَة من ذَلِكَ المَيِّت،
وَرُبَّمَا لا يَترُكُها إِذا كَانَ فِي حَرَمِ الله، أو فِي مَسْجِد من
المَسَاجِد، أو قريبًا من ذَلِكَ،
****
قَوْله:
«وَهَذَا كله قَد وَقَعَ من
المُعْتَقِدِين فِي القبور»، كل ما حَصَلَ من المشركين الأَوَّلين، قَد وَقَعَ
مثله - أو أَشَدُّ - عِنْدَ من يَنتسبون للإسلام وهم يَعبدون القبور، حَصَلَ
مِنْهُمْ شَيْء أَشَدُّ مِمَّا حَصَلَ من المشركين الأَوَّلين كما يأتي.
قَوْله:
«مَخَافَة تعجيل العُقُوبَة من ذَلِكَ
المَيِّت»، كَانَ المُشْرِكُونَ فِي هَذِهِ الأُمَّة يُعَظِّمُون القبور
أَكْثَر مِمَّا يُعَظِّمُون عز وجل، فَلاَ يَفعلون المعاصي قريبًا من القبور؛
لأَِنَّهُم يَخافون أن المَيِّت يَضرهم! وأن الولي يَضرهم! بينما أَنَّهُم يَعصُون
الله عز وجل فِي حَرَمِه وفي بيوته، فَلاَ يَخافون الله سبحانه وتعالى، وَإِذَا
قِيلَ لأحدهم: احْلِف بالله يُبادِر بالحَلِف، وَإِذَا قِيلَ لَهُ: احْلِف بالقبر
الَّذِي تَعبُده: اضطَرَبَ وخافَ وَأَبَى أن يَحلِف! يَخاف أن المَيِّت يَضره،
فَهُم يَخافون هَذِهِ القبور أَكْثَر مِمَّا يَخافون الله، ويُعظِّمونها أَكْثَر
من تَعْظِيم الله - نَسأل الله العَافِيَة - ويَبكون عِنْدَ القبور أَكْثَر مِمَّا
يَبكون فِي المَسَاجِد وعند الكَعْبَة.
قَوْله:
«وَرُبَّمَا لا يَترُكها إِذا كَانَ فِي
حَرَمِ اللهِ» فِي مَكَّة أو فِي المَسْجِد الحَرَام أو فِي بيوت الله
والمساجد.
الصفحة 2 / 327