×
فتح الولي الحميد في شرح كتاب الدر النضيد

قوله: وقال: ﴿إِنَّكَ لَا تَهۡدِي مَنۡ أَحۡبَبۡتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ [القصص: 56] فهداية القلوب لا يَقدِرُ عليها إلاَّ اللهُ، ومعنى قوله تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهۡدِي مَنۡ أَحۡبَبۡتَ [القصص: 56] فالهداية على قِسمَين:

الأول: هداية الدلالة والإرشاد: وهذه يَملِكُها الرسولُ والعلماءُ الرَّبَّانِيُّون فهم يَدعُون إلى الله، ويَهدُون الناسَ بأن يَدُلُّوهم إلى الطَّريق الصَّحيح، قال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ [الشورى: 52]، وهذا خِطابٌ للرسول صلى الله عليه وسلم أنه يَهدِي؛ أي: يَدُلُّ ويُرشِد عليه الصلاة والسلام، وكلُّ عَالِمٍ مُحقِّقٍ فإنه يَدُلُّ الناسَ ويُرشِدُهم ويَدعُوهم إلى الله.

الثانية: هداية التَّوفيق وإنزال الإيمان في القلوب: فهذا لا يَقدِرُ عليه إلاَّ اللهُ، ولَمَّا حَرَصَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على عَمِّه أبي طالبٍ - لِمَا سَبَقَ منه من حماية الرسول صلى الله عليه وسلم، والمدافَعَة عنه، والصبر معه - أراد الرسولُ صلى الله عليه وسلم أن يُكافِئَه، فلمَّا ماتَ ولم يَدخُل في الإسلام قال: «لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ» ([1])، وهذا من وفاء الرسول صلى الله عليه وسلم، فأَنزَلَ اللهُ عز وجل: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن يَسۡتَغۡفِرُواْ لِلۡمُشۡرِكِينَ وَلَوۡ كَانُوٓاْ أُوْلِي قُرۡبَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُمۡ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ [التوبة: 113].

وإنِ احتَجَّ أحدٌ باستغفار إبراهيم عليه السلام لأبيه: حين قال: ﴿سَلَٰمٌ عَلَيۡكَۖ سَأَسۡتَغۡفِرُ لَكَ رَبِّيٓۖ [مريم: 47]، فهذا عن مَوعِدةٍ وَعَدَهَا أباهُ وَوَفَّى بِوَعدِهِ؛ فلا يُقتَدَى به في ذلك؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم حَرَصَ على هداية أبي طالبٍ، ولكن الله لم يَكتُب له الهدايةَ بسبب حَمِيَّةِ الجاهليَّةِ على دِين أبيه


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (1360).