ولا يَحلِف بالصنم أو بالقبر كاذبًا، ويتحاشى من
المَعْصِيَة عِنْدَ القبر، ولا يتحاشى من المَعْصِيَة عِنْدَ الكَعْبَة وفي
المَسَاجِد.
قَوْله:
«فإن قلت: إن هَؤُلاَءِ القبوريين
يَعتقدون أَنَّ اللهَ تَعَالَى هُوَ الضَّارُّ النَّافِعُ...»، مِن أَعظَم
شُبَهِ القبوريين: يَذهبون إِلَى القبور لِيَتَبَرَّكوا بها ويَستغيثوا
بالأموات ويَبْنُوا عَلَيْهَا مَسَاجِد؛ فتُصبِح مزاراتٍ ومَشاهِدَ تُذبَح عِنْدَهَا
القرابين، وتُدفَع لها النذور والأموال، ويَعكُفون عِنْدَهَا أيامًا يَطلُبون
الوَلَدَ، ويَطلُبون الشِّفَاءَ من المرض والرزق إِلَى غير ذَلِكَ، وَهَذَا شَيْء
مَعْلُوم لا يُنكِره أَحَدٌ، فَإِذَا نُهوا عَن ذَلِكَ قَالُوا: نَحْنُ نَعتقد أنه
لا يَضر ولا يَنفع إلاَّ الله سبحانه وتعالى، ونَعتقد أن الخَيْر بيد الله،
وَإِنَّمَا نَقصد من هَؤُلاَءِ الأَمْوَات أَنَّهُم يُنجِزون لَنَا ما نُريد من
الله، فهم الوسائط والشفعاء عِنْدَ الله، فَقَط مُجَرَّد شفاعة ووساطة، وَنَحْنُ
نَذبح لَهُم ونَنذر لَهُم مِن أَجْلِ هَذَا، وَلَيْسَ مِن أَجْلِ أَنَّهُم يَنفعون
ويَضُرون؛ لأننا نَعلَم أَنَّ اللهَ هُوَ الضَّارّ النافع وأن الأَمْر بيد الله.
يَقُول
المُؤَلِّف ويقول غَيره من الأَئِمَّة: إن هَذَا
مِن فِعل المشركين الأَوَّلين، فقد حَكَى الله ذَلِكَ عَنْهُم فِي كِتَابه، مثلاً
فِي سُورَة «يُونُس»: ﴿وَيَعۡبُدُونَ
مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمۡ وَلَا يَنفَعُهُمۡ وَيَقُولُونَ
هَٰٓؤُلَآءِ شُفَعَٰٓؤُنَا عِندَ ٱللَّهِۚ﴾
[يونس: 18] وهم يَعتقدون أنه لا يضرهم ولا يَنفعهم ويَعترفون بِهَذَا، وَإِنَّمَا
يَقُولُونَ: هَؤُلاَءِ شفعاء لَنَا عِنْدَ الله فَقَط، قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿قُلۡ أَتُنَبُِّٔونَ
ٱللَّهَ بِمَا لَا يَعۡلَمُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ سُبۡحَٰنَهُۥ
وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ﴾
[يُونُس: 18]، فسَمَّى هَذَا شِركًا، وهم يُسَمُّونَهُ شفاعةً
الصفحة 1 / 327