ووسيلةً إِلَى الله، قَالَ: ﴿سُبۡحَٰنَهُۥ
وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ﴾
[النَّحْل: 1] فَنَزَّهَ نَفْسَهُ عَمَّا يُشرِكُون.
قَوْله:
﴿قُلۡ أَتُنَبُِّٔونَ
ٱللَّهَ بِمَا لَا يَعۡلَمُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ﴾ [يُونُس: 18]؛ يَعْنِي: هَل هَؤُلاَءِ الوسطاء
يُنبِّهون الله لِطَلَبِكم والله لا يَعلَمُه ولا يَسمَعُ دُعَاءَكُم حَتَّى يأتي
هَؤُلاَءِ ويتوسطون عِنْدَهُ ويَشفعون عِنْدَه! كَمَا أَنَّ المَلِكَ والرئيسَ
والمسؤول لا يدري عَن حوائج النَّاس؛ حَتَّى يأتي إِلَيْهِ الوسطاء والشفعاء
ويُبلِّغُونه عَن حوائج النَّاس وأحوال الرَّعِيَّة؛ لأنه بَشَرٌ، أو ربما أنه
يدري وَلَكِنَّهُ لا يُرِيد أن يقضي حوائج النَّاس، فهؤلاء يُؤَثِّرون عَلَيْهِ،
فَهَلْ الله لا يَعلم حَتَّى يُبلَّغ؟! وهل الله لا يُجِيب حَتَّى يأتيه الشَّافِع
ويؤثِّر عَلَيْهِ؟! الملوك قَد يُؤثِّر عَلَيْهِم الشُّفَعَاءُ، وَلَكِن الله عز
وجل لا يُؤثِّر عَلَيْهِ الشُّفَعَاءُ، هُوَ يُرِيد - سُبْحَانَهُ - أن يَرحَم
عِباده، وَيُرِيد أن يقضي حوائجهم بدون أن يُؤثِّر عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَنَزَّهَ
نَفْسَهَ عَن ذَلِكَ وَسَمَّاه شِركًا، وهم يَقُولُونَ: ﴿هَٰٓؤُلَآءِ شُفَعَٰٓؤُنَا عِندَ ٱللَّهِۚ﴾ [يونس: 18]، يا سبحانَ اللهِ! هَل اللهُ أَمَرَكُم أنكم
تتخذون شفعاء عِنْدَهُ؟ هَل أَمَرَكُم أن تُقدِّموا إِلَيْهِ واسطةً؟ أَمَرَهُم
الشَّيْطَانُ بِهَذَا، فلم يَقتَصِروا عَلَى أَنَّهُم يُوَسِّطون هَؤُلاَءِ، بل
ذَبَحُوا لَهُم ونَذَرُوا لَهُم، وصَرَفُوا لَهُم العِبَادَةَ بالذبح وَالنَّذْر
والاستِغَاثَة وَالدُّعَاء وغير ذَلِكَ، فهم يُشرِكون بالله، ويقولون: ﴿مَا
نَعۡبُدُهُمۡ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلۡفَىٰٓ﴾ [الزُّمُر: 3]، لَقَد اعْتَرَفُوا أَنَّهُم يَعبُدونهم.
الصفحة 2 / 327