وفتِنَتِه بما سَمِعوا من الرَّسُول صلى الله
عليه وسلم من الأَخْبَار عَنْهُ، فجَلَسُوا يتحدثون عَن الدَّجَّال، فخَرَجَ
عَلَيْهِمُ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنْ
الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ؟» قَالُوا: بَلَى، قَالَ: «الشِّرْكُ الْخَفِيُّ» فخافه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى
أَفضَلِ الخَلق بعد الأَنْبِيَاء وَهُم الصَّحَابَة، ثُمَّ فَسَّرَه فَقَالَ: «أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ يُصَلِّي
فَيُزَيِّنُ صَلاَتَهُ لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ»، أو يُحِب الإِنْسَانُ
أنه يُثْنَى عَلَيْهِ بالطاعة وَالأَعْمَال الصَّالِحَة، فَإِذَا أَحَبَّ ذَلِكَ
فَهَذَا من الرِّيَاء، والرياء يُحبِط العَمَل الَّذِي حَصَلَ فيه، ولا يُحبِط
جَمِيع الأَعْمَال، فَهَذَا من الفروق بَين الشِّرْك الأَكْبَر والشرك الأَصْغَر،
وَهُوَ أن الشِّرْك الأَكْبَر يُحبِط جَمِيع الأَعْمَال، أَمَّا الشِّرْك
الأَصْغَر فَهُوَ يُحبِط العَمَل الَّذِي وَقَعَ فيه إن لم يَتُب مِنْهُ صاحِبُه،
وقَلَّ مَن يَسلَم من ذَلِكَ، فَإِذَا دَخَلَ هَذَا فِي العِبَادَة فَهَذَا رياء،
فَعَلَيْهِ أن يتوب إِلَى الله ويَستَغفِر، ويُخلِص عَمَلَهُ لله عز وجل، والسمعة:
أن يُحِب الإِنْسَان أن يُسمَع كَلاَمه، وأن تُسمَع خطبته وأن تُسمَع موعظته، وأن
تُسمَع محاضراته من أجل أن يُعظِّمه النَّاسُ، من أجل أن يَمدحوه بالعلم، فَإِذَا
أَحَبَّ ذَلِكَ فَهَذِهِ سمعةٌ، فالسُّمعة تَكُون فِيمَا يُسمَع من الأَقْوَال،
والرياء يَكُون فِيمَا لا يُسمَع من الأَعْمَال، كالصلاة وَالصِّيَام والجهاد وغير
ذَلِكَ.
·
والرياء
عَلَى قِسْمَيْنِ أَيْضًا:
الأَوَّل: رياء المنافقين، وَهَذَا لا يَكُون مَعَهُ إِيمَان أَبَدًا، قَالَ الله جل وعلا فِي المنافقين: ﴿وَإِذَا قَامُوٓاْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلَا يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ إِلَّا قَلِيلٗا﴾ [النِّسَاء: 142]، فَهَذَا رياء المنافقين، وَهَذَا لا يَجتَمِع مَعَهُ إِيمَان.
الصفحة 1 / 327