وعلى هذا يُحمَل ما أَخرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ في
«مُعجَمِهِ الكبيرِ» أنه كان في زَمَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم منافقٌ يُؤذِي
المؤمنِين، فقال أبو بكرٍ رضي الله عنه: قُومُوا بنا نستغيث برسول الله صلى الله
عليه وسلم مِن هذا المنافِق، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهُ لاَ
يُسْتَغَاثُ بِي، إِنَّمَا يُسْتَغَاثُ بِاللَّهِ عز وجل » ([1])،
****
وفي
الطَّريقِ أَرسَلَهُ اللهُ سبحانه وتعالى واختارَه رسولاً وكَلِيمًا، هذه قِصَّةُ
موسى، والشَّاهد منها: ﴿فَٱسۡتَغَٰثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِۦ﴾ [القصص: 15]، فدَلَّ على أنَّ الاستِغَاثَة بالمخلوق
فِيمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ جائزةٌ، وأما الاستِغَاثَة بالمخلوق فيما لا يَقدِرُ
عليه إلاَّ اللهُ فهذا شِركٌ؛ لأنه نوعٌ مِن أنواع العبادة، فلا تجوز الاستِغَاثَة
بالأموات والأَضْرِحَة والغائبِين، ولا الحيِّ الحاضِرِ فيما لا يَقدِرُ عليه،
فالأموات لا تجوز الاستِغَاثَة بِهِمْ مُطلَقًا، وأما الأحياء فيجوز أن يُستغاث
بِمَن يَقدِر فِيمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، ولا يجوز أن يُستغاث بمخلوقٍ فيما لا
يَقدِرُ عليه إلاَّ اللهُ سبحانه وتعالى.
قوله: «فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهُ لاَ يُسْتَغَاثُ بِي، إِنَّمَا يُسْتَغَاثُ بِاللَّهِ عز وجل »» هذا فيما لا يَقدِرُ عليه إلاَّ اللهُ، فحَمَلَ المُصنِّف رحمه الله الحديثَ على النوع الذي لا يَقدِرُ عليه المخلوقُ، وغيْرُه مِن العلماء قالوا: هذا يَقدِرُ عليه المخلوقُ، فالرَّسول صلى الله عليه وسلم قادِرٌ على أن يَمنَعَ هذا المنافقَ وأن يَردَعَهُ، ولكنه أراد أن يَحمِيَ التَّوحِيد مِن هذه اللفظة حمايةً للتوحيد، وإن كان هذا في الأصل جائزًا، ولكن يُخشَى أن يُتدَرَّجَ منه إلى ما لا يجوز.
الصفحة 1 / 327