وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا:
أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَكَى عَنِ الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ
انْطَبَقَتْ عَلَيْهِمُ الصَّخْرَةُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تَوَسَّلَ إِلَى
اللَّهِ بِأَعْظَمِ عَمَلٍ عَمِلَهُ فَارْتَفَعَتِ الصَّخْرَةُ([1]).
فلو كان
التَّوسُّل بالأعمال الفاضلة غير جائزٍ، أو كان شِركًا كما يَزعُمُه
المُتشَدِّدُون في هذا الباب - كابن عبد السلام ومَن قال بقوله مِن أتباعه - لَم
تَحصُل الإجابةُ مِن الله لهم، ولا سَكَتَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن إنكار ما
فَعَلُوه بعد حكايته عنهم.
وبهذا تَعلَمُ: أن
ما يُورِدُه المانِعون مِن التَّوسُّل إلى الله بالأنبياء والصُّلحاء من نحو قوله
تعالى: ﴿مَا نَعۡبُدُهُمۡ إِلَّا
لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلۡفَىٰٓ﴾ [الزمر: 3]، ونحو
قوله تعالى: ﴿فَلَا تَدۡعُواْ مَعَ ٱللَّهِ
أَحَدٗا﴾ [الجن: 18]، ونحو قوله تعالى: ﴿لَهُۥ
دَعۡوَةُ ٱلۡحَقِّۚ وَٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ لَا يَسۡتَجِيبُونَ لَهُم
بِشَيۡءٍ﴾ [الرعد 14]، ليس بواردٍ .
*****
قوله: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَكَى عَنِ الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ
انْطَبَقَتْ عَلَيْهِمُ الصَّخْرَةُ...» هذا لا يَدُلُّ على ما يَقُوله رحمه
الله، وإنما يَدُلُّ على أنهم تَوَسَّلُوا بأعمالهم، ولم يَتَوَسَّلُوا بأعمال
غيرهم.
قوله: «فلو كان التَّوسُّل بالأعمال الفاضلة غير جائزٍ...» التَّوسُّل بالأعمال الفاضلة الصَّادرة من الشخص نفسه لا الصادرة من غيره، فانتَبِهوا لهذا، فما استَدَلَّ به رحمه الله لا يَخدمُ ما يُرِيدُ، فالتَّوسُّل بالأعمال الفاضلة جائزٌ ولكن لِمَن عَملَهَا.
الصفحة 1 / 327