فيقول لمن صَارَ يَدْعُو الأَمْوَات عِنْدَ
الحَاجَات، ويستغيث بهم عِنْدَ حلول المصيبات، ويَنذر لَهُم النذور، ويَنحر لَهُم
النحور، ويُعظِّمهم تَعْظِيم الرَّبِّ - سُبْحَانَهُ-: إن هَذَا الَّذِي يَفعلونه
هُوَ الشِّرْك الَّذِي كَانَت عَلَيْهِ الجَاهِلِيَّة، وَهُوَ الَّذِي بَعَثَ الله
رَسُوله بهدمه، وأَنزَلَ كُتُبه فِي ذَمِّه، وَأَخَذَ عَلَى النبيين أن يُبلِّغوا
عِباده أَنَّهُم لا يؤمنون حَتَّى يُخلِصوا لَهُ التَّوْحِيد، ويَعبُدوه وَحْدَه.
فَإِذَا عَلِمُوا بِهَذَا عِلمًا لا يبقى مَعَهُ شكٌّ ولا شُبْهَةٌ، ثُمَّ
أَصَرُّوا عَلَى ما هُم فيه من الطغيان والكفر بالرحمن، وَجَبَ عَلَيْهِ أن
يُخبِرَهم بأنهم إِذَا لَمْ يُقلِعُوا عَن هَذِهِ الغواية، ويَعُودوا إِلَى ما
جَاءَهُم به رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من الهِدَايَة؛ فقد حَلَّتْ دماؤهم
وأموالهم، فإن رَجَعُوا وإلا فالسيف هُوَ الحُكْم العَدْل كما نَطَقَ به الكتابُ
المُبِين، وسُنَّة سَيِّدِ المُرْسَلِينَ فِي إِخْوَانهم المشركين.
****
لَتُبَيِّنُنَّهُۥ لِلنَّاسِ وَلَا تَكۡتُمُونَهُۥ﴾ [آلَ عِمْرَانَ: 187] هَذَا عهدٌ من الله إِلَيْك أنك
تُبَيِّن، فَلاَ تَسكُتْ وتَترُك النَّاسَ، أو تقول: هَؤُلاَءِ لا يَقبَلون
فاتركوهم، لَيْسَ لكَ عذرٌ فِي هَذَا، بل بَيِّنْ، وَمَا عَلَيْك إلاَّ البَلاَغ،
أَمَّا الهِدَايَة فَهِيَ بيد الله سبحانه وتعالى، لَكِن تُبَرِّئ ذِمَّتَكَ
وتَخرُج من الكتمان، ولاَ يعدم مَن يَقبَل، ولو وَاحِدًا، قَالَ صلى الله عليه وسلم:
«فَوَاللهِ لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ
وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ» ([1]).
قَوْله: «فيقول لمن صَارَ يَدْعُو الأَمْوَات عِنْدَ الحَاجَات...»؛ يَعْنِي: يَجِب عَلَيْهِ أن يُبيِّن لَهُم ويقول: إن ما تفعلونه
([1]) أخرجه: البخاري رقم (2942)، ومسلم رقم (2406).
الصفحة 2 / 327