وَأَمَّا التَّقَرُّب للأموات فانظر مَاذَا
يجعلونه من النذور لَهُم وَعَلَى قبورهم فِي كَثِير من المحلات، ولو طُلِبَ
الوَاحِدُ مِنْهُمْ أن يَسْمَح بجزء من ذَلِكَ لله تَعَالَى لم يَفْعَل، وَهَذَا
مَعْلُومٌ يَعرفه من عَرفَ أَحْوَال هَؤُلاَءِ.
فإن قلت: إن
هَؤُلاَءِ القبوريين يَعتقدون إِنَّ اللهَ تَعَالَى هُوَ الضَّارّ النافع، والخير والشر
بِيَدِهِ، وإن استغاثوا بالأموات قَصَدُوا إنجاز ما يطلبونه من الله سُبْحَانَهُ!
قلت: وَهَكَذَا كَانَت الجَاهِلِيَّة، فإنهم كَانُوا يَعلَمون أَنَّ اللهَ هُوَ
الضَّارّ النافع، وأن الخَيْر والشر بِيَدِهِ، وَإِنَّمَا عَبَدُوا أصنامهم
لِتُقَرِّبَهم إِلَى الله زُلْفَى، كما حَكَاهُ الله عَنْهُم فِي كِتَابه
العَزِيز.
****
وَأَمَّا بالواو فَهَذَا يَقْتَضِي التشريك،
تقول: جَاءَ فلانٌ وفلانٌ، يَعْنِي اشتَرَكَا فِي المجيء، بينما تقول: جَاءَ فلانٌ
ثُمَّ فلانٌ؛ يَعْنِي: لم يَشتَرِكَا فِي المجيء فَهَذَا بَعْدَ هَذَا، وَهَذَا من
معاني الأَلْفَاظ اللغوية.
قَوْله: «فانظر مَاذَا يجعلونه من النذور لَهُم»؛ أي: انْظُر مَاذَا يَفعلون
من النذور للقبور، والذين شَاهَدُوها يَرَوْنَ العجب العجاب عِنْدَ البَدَوِيّ
وعند غَيره؛ حَيْثُ يأتون بالأغنام وبالإبل وبالأموال والدراهم ويُقِيمون
عِنْدَهَا أيامًا ويَذبحون لها.
قَوْله:
«ولو طُلِبَ الوَاحِدُ مِنْهُمْ أن
يَسْمَح بجزء من ذَلِكَ لله تَعَالَى لم يَفْعَل»، لو طُلِب مِنْهُ أن يَتصدق
عَلَى الفقراء والمساكين لم يَفْعَل، بينما لو طُلِب مِنْهُ أن يَنذِر للقبر
بِالأَمْوَالِ الطائلة لَبَادَرَ إِلَى ذَلِكَ، وَهَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّهُم
يُعظِّمونها أَكْثَر مِمَّا يُعَظِّمُون الله، وأنه يَحلِف بالله كاذبًا
الصفحة 2 / 327