وكما كان أنبياء بني إسرائيل يكرهون ما يفعله الأتباع،
فلا يحسب المرء المسلم أن النهي عن اتخاذ القبور أعيادًا وأوثانًا فيه غض من
أصحابها، بل هو من باب إكرامهم، وذلك أنَّ القلوب إذا اشتغلت بالبدع أعرضت عن
السنن، فتجد أكثر هؤلاء العاكفين على القبور مُعرضين عن سنة ذلك المقبور وطريقته،
مشتغلين بقبره عمّا أمر به ودعا إليه.
*****
فلا يُظَنُّ أنَّ هؤلاء المقبورين من الأولياء
والأنبياء والصالحين يرضون بذلك وأنهم أمروا به، بل على العكس، إنما نهوا عن ذلك
وجاهدوا عليه في حياتهم، فهم لا يرضون بذلك وينكرونه أشد الإنكار، ويوم القيامة
يُظهرون البراءة منه علانية أمام الأشهاد، ولا يقال: إنَّ الأولياء والصالحين رضوا
بهذا الشيء، فيكون ترك هذا نقصًا في حقهم، بل إن قَدْرَهُم باقٍ عند الله،
ومكانتهم باقية، لا يضرهم من تعلّق بهم وعبدهم من دون الله؛ لأنهم ينكرون ذلك أشد
الإنكار، ويتبرأون منه غاية البراءة، فقدرهم وقيمتهم عند الله باقية؛ لأنَّ الله
يعلم أنهم لا يرضون بذلك، وأنهم كانوا ينكرونه.
وقوله: «فلا يحسب المرء المسلم أنَّ النهي عن اتخاذ القبور أعيادًا وأوثانًا فيه غضٌّ من أصحابها، بل هو من باب إكرامهم» هؤلاء الذين يتخذون القبور أعيادًا، منهم مَنْ يَظُنُّ أنَّ هذا إكرامًا لهم، ويظن أنهم إذا نُهوا عن ذلك أنَّ هذا فيه غض من قدرهم، في حين أنَّ هذا هو الحق الذي فيه إكرامهم ورفعتهم، فهؤلاء القبوريون إذا قيل لهم: إن هؤلاء الأولياء والصالحين لا يملكون لكم شيئًا، فلا تدعوهم من دون الله،