×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الخامس

والمدينة يُصلُّون فيه، فسأل عنه، فقالوا: مكان صلّى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم يصلُّون فيه اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، فأنكر عمر ذلك رضي الله عنه، وقال: إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا يتتبعون آثار أنبيائهم، حتى آلَ بهم الأمر أن اتخذوها بيعًا، وصارت تُقصـد وتُـتخذ عيدًا، ومن ثم أفضى هذا إلى الشرك بالله عز وجل فوقعوا بالشرك بسبب ذلك؛ لأنَّ هذا وسيلة من وسائله.

ومن ذلك الأمكنة التي جلس فيها النبي صلى الله عليه وسلم من غير قصد ولم يجلس فيها تعبدًا لله عز وجل ومن ذلك الشجرة التي وقعت تحتها بيعة الرضوان يوم الحديبية، والتي قال الله جل وعلا فيها: ﴿لَّقَدۡ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ يُبَايِعُونَكَ تَحۡتَ ٱلشَّجَرَةِ [الفتح: 18]، فالنبي صلى الله عليه وسلم جلس تحت هذه الشجرة يستظل بها، وجاءه الوفد من قريش وعقد معهم الصلح تحت هذه الشجرة، ولما بلغه أن قريشًا قتلت عثمان رضي الله عنه وكان مندوب النبي إليهم، حينئذ طلب من أصحابه البيعة، فبايعوه على القتال تحت هذه الشجرة، ولذلك قال تعالى: ﴿لَّقَدۡ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ يُبَايِعُونَكَ تَحۡتَ ٱلشَّجَرَةِ فصار بعض الناس يتعلق بهذه الشجرة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، كانوا إذا جاؤوا في طريقهم عرّجوا عليها يصلون عندها، فاستنكر عمر ذلك، ولما تحقق من أنهم إنما كانوا يذهبون إليها للصلاة والتعبد، قطع عمر هذه الشجرة لأجل إزالة سبب الفتنة بها، وفي هذا دليل على أنَّ ما جلس فيه النبي صلى الله عليه وسلم أو صَلَّى فيه من الأمكنة من غير قصدٍ لذلك وإنما فعل ذلك اتفاقًا وحسب الحاجة فإنه لا يتخذ بعد ذلك مصلّى ولا يُتردد عليه.



الشرح