×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الخامس

وفي النسائي والترمـذي وغيرهما حـديث الأعمى الذي صححه الترمذي: أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله أن يدعو الله أن يرد بصره عليه، فأمره أن يتوضأ فيصلِّي ركعتين ويقول: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنِّي تَوَجَّهْتُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ لِتُقْضِيهَا، اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ»، فدعا الله، فردّ الله عليه بصره ([1]).

والجواب عن هذا أن يقال:

أولاً: لا ريب أن الله جعل على نفسه حقًّا لعباده المؤمنين، كما قال تعالى: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيۡنَا نَصۡرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ [الروم: 47] وكما قال تعالى: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمۡ عَلَىٰ نَفۡسِهِ ٱلرَّحۡمَةَ [الأنعام: 54]. وفي «الصحيحين» أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل وهو رديفه: «يَا مُعَاذ، أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى عِبَادِه؟» قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: «حَقُّهُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، أَتَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ؟» قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: «حَقُّهُمْ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَهُمْ» ([2]). فهذا حق وجب بكلماته التامة ووعده الصادق.

وقد اتفق العلماء على وجوب ما يجب بوعده الصادق، وتنازعوا: هل يوجب الله بنفسه على نفسه؟ ويحرِّم بنفسه على نفسه؟ على قولين. ومن جوّز

ذلك احتج بقوله - سبحانه: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمۡ عَلَىٰ نَفۡسِهِ ٱلرَّحۡمَةَ [الأنعام: 54] وبقوله في الحديث الصحيح: «إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى


الشرح

([1] أخرجه: البخاري رقم (2856)، ومسلم رقم (30).

([2] أخرجه: مسلم رقم (2577).