×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الخامس

وقد يفعل العبد ما أُمر به ابتداءً لأجل العبادة لله والطاعة له، ولما عنده من محبته والإنابة إليه وخشيته وامتثال أمره، وإن كان ذلك يتضمن حصول الرزق والنصر والعافية، وقد قال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ [غافر: 60]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أهل السنن، أبو داود وغيره: «الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ» ([1]) ثم قرأ قوله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ.

وقد فُسِّر هذا الحديث مع القرآن بكلا النوعين ﴿ٱدۡعُونِيٓ، أي: اعبدوني وأطيعوا أمري ﴿أَسۡتَجِبۡ دعاءكم، وقيل: سلوني أعطكم، وكلا النوعين حق.

وفي «الصحيحين» في قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث النزول: «يَنْزِلُ رَبُّنَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ» ([2])، فذكر أولاً إجابته الدعاء، ثم ذكر إعطاء السائلِ، والمغفرة للمُستغفر، فهذا جلب المنفعة، وهذا دفع المضرة، وكلاهما مقصودُ الداعي المجاب.

وقال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لِي وَلۡيُؤۡمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمۡ يَرۡشُدُونَ [البقرة: 186]. وقد روي أن بعضَ الصحابة قال: يا رسول الله، ربنا قريب فنناجيـه أم بعيـدٌ فنناديه؟ فأنزل الله هذه الآية.


الشرح

([1] أخرجه: البخاري رقم (1145)، ومسلم رقم (758).

([2] أخرجه: البخاري رقم (1145)، ومسلم رقم (758).