×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الخامس

مخلوق بأنَّ الصفة إذا قامت بمحل عاد حكمها على ذلك المحل لا على غيره، واتَّصف به ذلك المحل لا غيره، فإذا خلق الله لمحل علمًا أو قدرة أو حركة أو نحو ذلك، كان هو العالم به، القادر به، المتحرك به، ولم يجز أن يقال: إنَّ الرب المتحرك بتلك الحركة، ولا هو العالم القادر بالعلم والقدرة المخلوقين، بل بما قام به من العلم والقدرة.

قالوا: فلو كان قد خلق كلامًا في غيره، كالشجرة التي نادى منها موسى، لكانت الشجرة هي المتصفة بذلك الكلام. فتكون الشجرة هي القائلة لموسى﴿إِنَّنِيٓ أَنَا ٱللَّهُ [طه: 14] ولكان ما يخلقه الله من إنطاق الجلود والأيدي وتسبيح الحصى وتأويب الجبال وغير ذلك كلامًا له، كالقرآن والتوراة والإنجيل، بل كان كل كلام في الوجود كلامه؛ لأنه خالق كل شيء، وهذا قد التزمه مثل صاحب الفصوص وأمثاله من هؤلاء الجهمية الحلولية الاتحادية.

فأوردت المعتزلة صفات الأفعال، كالعدل والإحسان، فإنه يقال: إنه عادل محسن بعدل خلقه في غيره، وإحسان خلقه في غيره، فأشكل ذلك على من يقول: ليس لله فعل قائمٌ به، بل فعله هو المفعول المنفصل عنه، وليس خلقه إلاّ مخلوقه.

وأما مـن طرد القاعدة وقال أيضًا: إنَّ الأفعـال قائمـة به ولكن المفعولات المخلوقة هي المنفصلة عنه، وفرق بين الخلق والمخلوق، فاطرد دليله واستقام.

والمقصود هنا: أنَّ استعاذة النبي صلى الله عليه وسلم بعفوه ومعافاته من عقوبته، مع أنه لا يُستعاذ بمخلوق، فهي كسؤال الله بإجابته وإثابته، وإن كان لا يسأل بمخلوق.


الشرح