×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الخامس

وكان أصحابه أعلم بذلك وأرغب فيه ممن بعدهم، فلما لم يكونوا يلتفتون إلى شيء من ذلك عُلم أنه من البدع المحدثة، التي لم يكونوا يعدونها عبادة وقربة وطاعة، فمن جعلها عبادة وقربة وطاعة فقد اتبع غير سبيلهم، وشرع من الدين ما لم يأذن به الله.

*****

ما كان صلى الله عليه وسلم يعتني بها ولا يحتفظ بها، والآن بني عليها مكتبة تسمى مكتبة مكـة؛ لأجل المحافظة عليها والتبرك بها، وصار الجُهَّال يتوافدون عليها للتبرك، ومنهم مَن يصلي إليها ويستدبر الكعبة.

لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم ما ترك شيئًا من أمور الدين إلا بيَّنه، حتى أكمل الله به الدين عند وفاته صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله عليه قوله: ﴿ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ [المائدة: 3] فما توفي صلى الله عليه وسلم إلاّ بعد أن أكمل الله به الدين، وأتم به النعمة، وما كان صلى الله عليه وسلم بيَّن لأمته، ولا شرع لها العناية بهذه الأماكن، والتردد عليها وإحياءها، ولم يكن صحابته من بعده والتابعون لهم بإحسانٍ يسألون عن هذه الآثار ويذهبون إليها.

فهؤلاء الذين يقولون: إن العناية بها ليس هو من باب العبادة، وإنما هو من باب الذكريات، وإحياء التاريخ، وما أشبه ذلك، وهم يعلمون علم اليقين أنَّ فعلهم هذا وسيلة من الوسائل المؤدِّية إلى الشرك بالله جل وعلا حتى ولو لم يكونوا يقصدون ذلك، لكن يأتي مِن بعدهم مَن يقصد ذلك، فيكونون قد فتحوا الباب إليه، وأعدُّوا له البداية، فهم السبب في هذا، كما فعل قوم نوح مع صور الصالحين التي احتفظوا بها للذكريات، ثم أتى بعدهم من عبدها كما في قصة قوم نوح، فلا يتساهل في هذا الأمر.


الشرح