فكيف يحلُّ للمسلم أن يصدّق شيئًا من ذلك بمجرد هذا النقل؟
بل الواجب أن لا يصدّق ذلك ولا يكذّب أيضًا إلا بدليل
يدل على كذبه، وهكذا أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي هذه الإسرائيليات مما هو كذب على الأنبياء أو ما
هو منسوخٌ في شريعتنا ما لا يعلمه إلاّ الله.
*****
قوله: «ومن العجب أنَّ هذه الشريعة المحفوظة المحروسة
مع هذه الأمة التي لا تجتمع على ضلالة...» امتاز المسلمون بالرواية عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم، والتحري في نقلها وثبوتها، بما لا يدع زيادة لمستزيد،
فعندهم من الدقة في الرواية والتمحيص ما هو من عجائب ما أجرى الله - سبحانه -
وأكرم به هذه الأمة، حتى أصبحت السنة محفوظة ولله الحمـد، فحفظها من حفظ القرآن
الذي قال الله جل وعلا فيه: ﴿إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ﴾ [الحجر: 9]. ومما
يدلُّك على عناية المسلمين بهذه السنة الشريفة، وحراستها وحمايتها من الدخيل، أنَّ
العلماء الكبار من التابعين كسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي وغيرهم إذا حدّث عن
رسول الله مع جلالة شأنه وقدره في العلم، إذا حدّث عن رسول الله يسمون حديثه
بالمرسل، والحديث المرسل ما سقط منه الصَّحابي، ورواه التابعي عن الرسول صلى الله
عليه وسلم، ولا يحتجُّون إلاّ بما توثقوا منه.
قوله: «فكيف بما ينقله كعب الأحبار...» يعني إذا كان التابعون الكِبار والمسافة قصيرة بينهم وبين النبي يُسمَّى حديثهم بالمرسل، ولا يُحتج به إلاّ ما ندر، فكيف يحتج بما رواه كعب الأحبار عن الأنبياء السابقين، وبين كعب والأنبياء ما يزيد على ألف سنة؟!